قال محمد غزال رئيس حزب مصر 2000، إن الهوية الوطنية المصرية تُعد من أقدم وأعمق الهويات الحضارية في التاريخ الإنساني، مشيرًا إلى أنها لم تتكوّن صدفة، بل جاءت نتيجة تفاعل فريد بين الجغرافيا والدولة والإنسان عبر آلاف السنين.
وأكد رئيس حزب مصر 2000 محمد غزال، علي أن نهر النيل كان العامل الحاسم في نشأة هذه الهوية، موضحًا أنه لم يكن مجرد مصدر للمياه، بل شريان حياة فرض الاستقرار، ووحّد المصريين حول نمط معيشة واحد ومصير مشترك، ما خلق منذ البداية شعورًا مبكرًا بالانتماء الجماعي ووحدة الأرض.
وأضاف “غزال” أن إحاطة وادي النيل بالصحراء لعبت دورًا محوريًا في حماية المجتمع المصري القديم، ومنحته خصوصية حضارية مميزة، ساعدت على نشوء شخصية مستقرة، معتدلة، وقادرة على البناء والاستمرارية، وهو ما انعكس لاحقًا على قدرة مصر على الحفاظ على دولتها عبر العصور.
وأشار إلى أن توحيد القطرين على يد الملك مينا (نارمر) مثّل لحظة الميلاد السياسي الحقيقي للهوية المصرية، حيث جرى لأول مرة ترسيخ مفهوم الدولة الواحدة، والسلطة المركزية، والرمز الموحد، وهو ما جعل فكرة الوحدة جزءًا أصيلًا من الوعي المصري وليس مجرد قرار سياسي.
وأوضح محمد غزال في تصريح لـه أن تطور الدولة في عهد الملك زوسر، وظهور أول جهاز إداري منظم بقيادة إيمحتب، ثم إنجازات البناء الكبرى في عهدي سنفرو وخوفو، لم تكن فقط علامات على التقدم العمراني، بل رسخت في الوجدان المصري قيم التخطيط، والعمل الجماعي، والقدرة على الإنجاز، وهي قيم لا تزال حاضرة في الشخصية المصرية حتى اليوم.
وتابع أن فترات إعادة التوحيد، خاصة في عهد الملك منتوحوتب الثاني، عززت فكرة أن الانقسام استثناء تاريخي، بينما الوحدة هي القاعدة، مؤكدًا أن هذه الفكرة تشكّل أحد أعمدة الاستقرار المصري عبر التاريخ.
ولفت إلى أن الهوية المصرية اكتسبت بعدًا وطنيًا دفاعيًا واضحًا في عهد سنوسرت الثالث، حيث ارتبط الانتماء بحماية الحدود وصيانة الدولة، ثم بلغت ذروتها في عهد الملك أحمس الأول، الذي جسّد طرد الهكسوس مفهوم التحرير والسيادة الوطنية، وهو ما رسّخ ثقافة مقاومة الاحتلال في الوعي الجمعي المصري.
وأضاف أن مرحلة تحتمس الثالث نقلت الهوية المصرية من الإطار المحلي إلى الإقليمي، مع تأسيس أول إمبراطورية مصرية، ما رسّخ صورة مصر كقوة كبرى ذات قيادة استراتيجية، وهو عنصر لا يزال حاضرًا في إدراك العالم لمكانة الدولة المصرية.
وأشار إلى أن الهوية المصرية لم تكن مادية فقط، بل حملت بعدًا فكريًا وروحيًا تجلّى في تجربة إخناتون التوحيدية، التي عكست نزعة المصريين للتأمل والبحث عن الحقيقة، ثم تبلورت رمزيًا في عهد رمسيس الثاني، الذي جمع بين القوة العسكرية والإنجاز المعماري وصناعة الرمز الخالد.
وشدّد على أن هذه الهوية المتراكمة عبر آلاف السنين تمثل أهم رصيد استراتيجي للسياحة المصرية، موضحًا أن مصر لا تملك آثارًا فقط، بل تملك قصة دولة وهوية مستمرة بلا انقطاع، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية فريدة عالميًا.
وأختتم تصريحه بالتأكيد على أن فهم الهوية المصرية وتقديمها للعالم بشكل احترافي لا يخدم الوعي الوطني فقط، بل يُعد ركيزة أساسية لتطوير السياحة الثقافية، وبناء سردية مصرية قوية تربط الماضي بالحاضر وتفتح آفاق المستقبل.

