اكتشف علماء أن تغير المناخ ترك بصماته مخفية داخل عينات هواء عسكرية قديمة، بعدما تبين أن هذه العينات تحتوي على كميات كبيرة من الحمض النووي البيولوجي.
أتاح ذلك للباحثين تتبع انتشار أبواغ الطحالب على مدار 35 عاما، حيث أظهرت النتائج أن الطحالب باتت تطلق أبواغها في وقت أبكر يصل إلى شهر مقارنة بما كان عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي، والأكثر إثارة للدهشة أن توقيت إطلاق الأبواغ لا يعتمد بالدرجة الأولى على ظروف الربيع الحالية، بل يتأثر بشكل أكبر بمناخ العام السابق، في مثال واضح على سرعة استجابة النظم البيئية لارتفاع درجات حرارة الأرض.
ومن خلال فحص الحمض النووي المحفوظ في عينات هواء جمعت على مدى عقود بواسطة القوات المسلحة السويدية، تمكن علماء من جامعة لوند السويدية من توثيق تغير كبير في التوقيت الموسمي لإطلاق أبواغ الطحالب الشمالية خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية.
تظهر الدراسة أن الطحالب أصبحت تطلق أبواغها الآن قبل عدة أسابيع مقارنة بالماضي، وهو ما يعكس قدرة الأنظمة الطبيعية على التكيف السريع مع الاحترار المناخي.
بدأ جمع عينات الهواء في السويد منذ ستينيات القرن الماضي ضمن برامج مراقبة التلوث الإشعاعي الناتج عن تجارب الأسلحة النووية، وكان الهدف في ذلك الوقت أمنيا بحتا، غير أن مرشحات الألياف الزجاجية المستخدمة لالتقاط الجسيمات المحمولة جوا احتفظت دون قصد بآثار من الحمض النووي لحبوب اللقاح والأبواغ وغيرها من المواد البيولوجية المجهرية، وقد تبين لاحقا أن هذه العينات تشكل أرشيفا فريدا يمكن الاستفادة منه في دراسة التغيرات البيئية عبر الزمن.
قام فريق البحث باستخدام هذا الأرشيف وتحليل أبواغ الطحالب المحمولة جوا خلال فترة امتدت 35 عاما، مع التركيز على 16 نوعا ومجموعة مختلفة من الطحالب.
أظهر التحليل أن الطحالب باتت تبدأ في إطلاق أبواغها قبل نحو أربعة أسابيع في المتوسط مقارنة بعام 1990، كما أن ذروة انتشار الأبواغ أصبحت تحدث أبكر بحوالي ستة أسابيع، وهو فرق كبير خاصة في المناطق الشمالية حيث يكون فصل الصيف قصيرا للغاية.
وأشارت النتائج إلى أن دفء فصول الخريف يلعب دورا محوريا في هذا التحول. فعندما تستمر درجات الحرارة المرتفعة لفترة أطول قبل حلول الشتاء، تحصل الطحالب على وقت إضافي لتكوين كبسولات الأبواغ، ويمنحها ذلك استعدادا بيولوجيا مبكرا يسمح بإطلاق الأبواغ فور بداية الربيع، وعلى عكس التوقعات لم يكن لذوبان الثلوج أو لدرجات الحرارة في نفس عام إطلاق الأبواغ التأثير الأكبر، بل تبين أن الظروف المناخية في العام السابق هي العامل الحاسم.
ولا تقتصر أهمية هذه الدراسة على توثيق الاستجابة السريعة للنظم البيئية لتغير المناخ، بل تفتح أيضا الباب أمام منهج جديد لدراسة التغيرات البيولوجية عبر الزمن، إذ يمكن تطبيق الأسلوب المعتمد على تحليل الحمض النووي على أنواع أخرى تطلق مواد بيولوجية في الهواء، كما تتيح وفرة عينات الهواء المجمعة من مناطق مختلفة في السويد إعادة بناء التحولات البيئية على مدى عقود، ومقارنة الاتجاهات بين شمال البلاد وجنوبها.
ويتوقع الباحثون أن تسهم هذه النتائج في توسيع الفهم العلمي لتأثيرات تغير المناخ الموثقة، وأن تكون جزءا من التقارير القادمة الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول الآثار الفعلية للاحتباس الحراري على النظم البيئية.

