مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

تعامد الشمس بأبو سمبل عبقرية فلكية وهندسة معمارية تتكرر كل عام

 

 

معبدا أبو سمبل من أعظم روائع العمارة المصرية القديمة، وقد شيّدهما الملك رمسيس الثاني في القرن 13 ق.م. واحداً له والآخر لزوجته الملكة نفرتاري تقديراً لحبه لها “فهي التي تشرق الشمس من أجلها”.

ويقع المعبدان جنوب أسوان على الضفة الغربية لبحيرة ناصر نحو 290 كم جنوب غرب أسوان.

وقد شُيّد المعبدان لإظهار قوة مصر وهيبتها على حدودها الجنوبية. وكأنها رسالة سياسية ودعائية موجهة للنوبة والشعوب المجاورة.

ويعد المعبدان أحد مواقع “آثار النوبة” المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، والتي تبدأ من اتجاه جريان النهر من أبو سمبل إلى فيلة (بالقرب من أسوان).

وقد نحت المعبدين في بطن الجبل في عهد الملك رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، كنصب دائم له وللملكة نفرتاري، للاحتفال بذكرى انتصاره في معركة قادش.

وفي عام 1960 تم نقل مجمع المنشآت كليا لمكان آخر، تحت إشراف منظمة اليونسكو ضمن حملة دولية غير مسبوقة لإنقاذ آثار النوبة من الغرق بسبب بناء السد العالي.

حيث جرى تفكيك المعبدين إلى كتل حجرية ضخمة بلغ عددها آلاف القطع، وجرى ترقيمها بدقة لضمان إعادة تركيبها دون فقدان أي عنصر معماري منها. ثم أُعيد بناء المعبدين على هضبة صناعية ترتفع نحو 65 متراً عن الموقع الأصلي وعلى مسافة تقارب 200 متر إلى الخلف.

وقد تم مراعاة الاتجاه الأصلي للمعبدين أثناء عملية النقل، وذلك لضمان استمرار ظاهرة تعامد الشمس داخل قدس الأقداس.

وقد تم نقل العديد من المعابد بخلاف معبدي أبو سمبل لتجنب تعرضها للغرق خلال إنشاء بحيرة ناصر، وتشكّل خزان المياه الاصطناعي الضخم بعد بناء السد العالي في أسوان على نهر النيل. ولا زالت أبو سمبل من أفضل المناطق لجذب السياحة في مصر.

• المعبد الكبير (معبد رمسيس الثاني) : مكرّس للآلهة (المعبودات) رع-حور-آختي، آمون-رع، بتاح ولتأليه رمسيس نفسه.

واجهته تضم أربعة تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني بارتفاع نحو 20 مترًا. يشتهر بظاهرة تعامد الشمس مرتين سنويًا (22 فبراير و22 أكتوبر) لتضيء تماثيل قدس الأقداس.

• المعبد الصغير (معبد نفرتاري) : مكرّس للإلهة حتحور والملكة نفرتاري زوجة رمسيس الثاني.

يتميز بمساواة غير مسبوقة في الحجم بين تماثيل الملك والملكة على الواجهة.  يعكس المكانة الاستثنائية لنفرتاري ودورها الديني والسياسي.

اكتشاف المعبدين وظاهرة تعامد الشمس :

 

تعرض معبدا أبو سمبل للإهمال عبر عصور طويلة بعد تراجع الدور الديني والسياسي لجنوب مصر مما أدى إلى زحف الرمال عليهما تدريجياً حتى غطت أجزاء كبيرة من الواجهة والتماثيل الضخمة.

وفي بعض الفترات لم يكن ظاهرًا من المعبد الكبير سوى رؤوس التماثيل العملاقة التي كانت تبرز من الرمال.

وقد ظل الموقع مجهولاً تقريباً حتى أوائل القرن التاسع عشر.

ففي عام  1813 وصل المستشرق السويسري يوهان لودفيغ بورخاردت إلى النوبة أثناء رحلاته الاستكشافية، تمكن بورخاردت من التعرف على واجهة المعبد الرئيسي ولاحظ عظمة التماثيل المنحوتة في الصخر. لم يكن قادرًا على إزالة الرمال أو دخول المعبد لكنه دوّن موقعه ووصفه بدقة.

قد يهمك ايضاً:

نقل بورخاردت خبر الاكتشاف إلى المستكشف الإيطالي جيوفاني بيلزوني.

توجه بيلزوني إلى الموقع لأول مرة دون نجاح في اختراق المدخل. عاد مرة أخرى عام 1817 وتمكن من إزالة الرمال والدخول إلى المعبد وأخذ كل ما وجده في طريقة.

 

وقد ساهمت الكاتبة والرحالة البريطانية أميليا إدواردز Amelia Edwards في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في لفت أنظار العالم إلى معبدي أبو سمبل من خلال رحلاتها الميدانية في النوبة؛ حيث قامت إدواردز بزيارة الموقع وتوثيق نقوشه بدقة ضمن بعثة علمية ضمت علماء ورسامين ومهندسين. وقد لعبت ملاحظاتها دوراً مهماً في إعادة دراسة تخطيط المعبد الكبير وعلاقته بالظواهر الفلكية.

وقد سجّل فريقها أن أشعة الشمس تخترق المعبد في أيام محددة من العام لتصل إلى قدس الأقداس. وقد ربطت إدواردز هذه الظاهرة بعقيدة الشمس والملكية الإلهية لرمسيس الثاني؛ حيث اعتُبر هذا الاكتشاف دليلًا على التقدم العلمي للمصريين القدماء في علم الفلك والهندسة المعمارية.

ظاهرة التعامد في المعبد الكبير لأبو سمبل :

 

تتعامد أشعة الشمس على قدس أقداس معبد أبوسمبل مرتين كل عام وهما 22 فبراير و22 أكتوبر، حيث تغير هذا التاريخ من 21 فبراير و21 أكتوبر إلي 22 فبراير و22 أكتوبر بفارق يوم واحد وذلك بعد تقطيع المعبدين ونقلهما من مكانهما الأصلي إلي المكان الجديد الحالي الذي يبعد عن المكان الأول بحوالي 280م، حيث تخترق أشعة الشمس الممر الأمامي لمدخل معبد رمسيس الثاني بطول 60 متراً حتى تصل إلى قدس الأقداس الذي يتكون من منصة تضم أربعة تماثيل وهما من اليمين تمثال المعبود “رع حور-آختي” يليه تمثال الملك “رمسيس” الثاني جالساً وبجواره تمثال المعبود آمون ثم تمثال رابع للمعبود “بتاح”.

ويرتبط حدوث ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني لدى المصريين القدماء بمناسبة الاحتفال بموسم الفيضان والزراعة. والشمس تتعامد على التماثيل الثلاثة دون “بتاح” إله العالم الآخر “الظلام”، لاعتقاد المصري القديم بعدم منطقية سقوط أشعة الشمس على العالم السفلى، ولذلك لم يغفل المصري القديم ببراعته هذا الجانب ومنع الشمس من التمثال الرابع.

 

معبدي أبو سمبل تم اكتشافهما في الأول من أغسطس عام 1817م عندما نجح المستكشف الإيطالى جيوفانى بيلونزى، في العثور عليها ما بين رمال الجنوب. أما بالنسبة لظاهرة التعامد فتم اكتشافها عام 1874م عندما رصدت المستكشفة “إميليا إدوارذ” والفريق المرافق لها هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899م بعنوان “ألف ميل فوق النيل”.

وتبقى المعجزة في أن يومي تعامد الشمس مختاران ومحددان عمداً قبل عملية النحت، مع ما يستلزمه ذلك من معرفة تامة بأصول علم الفلك وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق بجانب المعجزة في المعمار بأن يكون المحور مستقيم لمسافة أكثر من ستين متراً ولا سيما أن المعبد منحوت في الصخر.

تستغرق ظاهرة تعامد الشمس حوالي 20 دقيقة وقد تصل إلي 25 دقيقة في بعض الأحيان وهناك روايتان لسبب تعامد الشمس:

الرواية الأولى: هي أن المصريين القدماء صمموا المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بدء الموسم الزراعي وتخصيبه، والأخر لبدء موسم الحصاد.

الرواية الثانية: هي أن هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولد الملك رمسيس الثاني ويوم جلوسه على العرش ولكن هذه الرواية غير صحيحة.

وكان السبب الرئيسي لنقل المعبدين من مكانهم الأصلي بسبب تعرض معبد أبو سمبل عقب بناء السد العالي للغرق نتيجة تراكم المياه خلف السد العالي وتكون بحيرة ناصر، حيث تم نقل المعبدين عن طريق تفكيك أجزاء وتماثيل المعبد مع إعادة تركيبها في موقعها الجديد.

ما هو سبب تغير تعامد الشمس من يوم 21 أكتوبر إلي يوم 22 أكتوبر :

 

الجدير بالذكر أن حدوث تعامد الشمس على تمثال رمسيس كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبو سمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي في بداية الستينات من موقعه القديم، والذي تم نحته داخل الجبل إلى موقعه الحالي، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير، وذلك لتغير خطوط العرض والطول بعد نقل المعبد، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة 60 متر لتصل إلى قدس الأقداس لتضيء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة في داخله :

 

وهم تمثال رع حور آختي إله الشمس التي تضئ نصفه وتترك نصفه، وتمثال رمسيس الثاني، وتمثال آمون إله طيبة في تلك الحقبة، أما التمثال الرابع للإله بتاح رب منف وراعي الفن والفنانين وإله العالم السفلي فلا تصله أشعة الشمس، لأنه لابد أن يبقى في ظلام دامس مثل حالته في العالم السفلي، حيث تتعامد على تمثال الملك رمسيس الثاني وتمثال آمون رع إله طيبة، صانعة إطاراً حول التمثالين بطول 355 سم وعرض 185 سم.

معابد أخري تتعامد عليها الشمس بخلاف معبد أبو سمبل الكبير :

 

نلاحظ أن عدد المعابد والمقاصير المصرية القديمة المسجلة أثرياً على مستوى جمهورية مصر العربية يقارب حوالي 330 معبدا ومقصورة, منهم فقط عدد 27 معبدًا ومقصورة الذين تتوجه الزاوية الأفقية لمحاورهم الرئيسية نحو محور الشرق الحقيقي, وأغلب تلك المعابد والمقاصير اقترنت بالمجموعات الهرمية لملوك الدولة القديمة على خلاف معبد “أبو سمبل” المنتسب إلى من معابد الدولة الحديثة.

ونلاحظ أن الشمس تتعامد بشكل دوري على 14 معبداً مصرياً  قديماً – وليس معبد أبو سمبل وحده، حيث تتعامد أشعة الشمس على معابد “أبوسمبل، والكرنك، وحتشبسوت، وهيبس وقصر قارون”، وغيرها من المعابد المصرية القديمة، وهذا في حد ذاته ليس بالصدفة، إنما يرجع هذا إلى الدراية الكاملة لقدماء المصريين بعلوم الفلك وبخاصة حركة الشمس الظاهرية في السماء، وهي في مضمونها تعتمد على أن الشمس في شروقها وغروبها تمر على كل نقطة خلال مسارها مرتين في السنة، حيث أن التعامد يكون على مكان بعينه عند شروق الشمس وينحرف بمقدار ربع درجة تقريباً يومياً ذهاباً إلى أقصى الشمال الشرقي حتى 23,5 درجة صيفا، ثم إيابا إلى أقصى الجنوب الشرقي حتى 23,5 درجة شتاء.