قد يحدث زرع دماغي جديد تحولا كبيرا في طريقة تفاعل البشر مع الحواسيب، كما يفتح آفاقا علاجية جديدة لحالات مثل الصرع وإصابات الحبل الشوكي والتصلب الجانبي الضموري والسكتة الدماغية والعمى.
يعتمد هذا التطور على إنشاء مسار اتصال عالي الكفاءة وقليل التدخل الجراحي مع الدماغ، ما يتيح التحكم في النوبات العصبية، ويساعد على استعادة القدرات الحركية والكلامية والبصرية المفقودة.
تكمن أهمية هذه التقنية في الجمع بين حجمها المتناهي الصغر وقدرتها على نقل البيانات بسرعات عالية جدا، فقد تم تطوير الجهاز ضمن تعاون بحثي بين عدة مؤسسات، وهو عبارة عن واجهة تصل بين الدماغ والحاسوب مبنية على شريحة سيليكون واحدة فقط، هذه الشريحة تنشئ اتصالا لاسلكيا واسع النطاق بين الدماغ والحواسيب الخارجية، ويعرف النظام باسم واجهة النظام البيولوجي مع القشرة الدماغية.
تصف الدراسة بنية هذا النظام التي تشمل الشريحة المزروعة ومحطة خارجية قابلة للارتداء تعمل كوسيط، إضافة إلى البرمجيات اللازمة لتشغيل المنصة، وعلى عكس الأنظمة التقليدية التي تعتمد على وحدات إلكترونية ضخمة تزرع داخل الجسم، يتكون هذا الزرع من دائرة إلكترونية متكاملة واحدة رقيقة للغاية، يمكن إدخالها بين الدماغ والجمجمة بحيث تستقر على سطح الدماغ كأنها ورقة مبللة.
يسمح هذا التصميم بتحويل سطح القشرة الدماغية إلى بوابة اتصال فعالة عالية السعة، تتيح تواصلا ثنائي الاتجاه مع أنظمة الذكاء الاصطناعي والأجهزة الخارجية دون الحاجة لاختراق أنسجة الدماغ، ويعد هذا التطور خطوة محورية نحو أطراف عصبية ذكية قابلة للتكيف، وواجهات تجمع بين الدماغ والذكاء الاصطناعي يمكن أن تستخدم في علاج اضطرابات عصبية ونفسية متعددة.
أظهرت الاختبارات السريرية الأولية أن الجهاز قادر على تسجيل إشارات عصبية عالية الدقة وباستقرار ملحوظ. كما يجري حاليا استخدامه في أبحاث تهدف إلى علاج حالات الصرع المقاومة للأدوية.
ويؤكد الباحثون أن المعيار الأساسي لنجاح واجهات التي تجمع بين الدماغ والحاسوب هو تعظيم تدفق المعلومات من وإلى الدماغ، مع تقليل التدخل الجراحي إلى الحد الأدنى، وهو ما يحققه هذا النظام بوضوح.
تعتمد التقنية على أحدث ما توصلت إليه صناعة أشباه الموصلات، إذ تحتوي الشريحة على عشرات الآلاف من الأقطاب الكهربائية القادرة على التسجيل والتحفيز العصبي، ضمن حجم لا يتجاوز بضعة مليمترات مكعبة. وهي مرنة بما يكفي لتأخذ شكل سطح الدماغ، وتصنع بطرق صناعية تسمح بالإنتاج واسع النطاق.
تدمج الشريحة في داخلها جميع المكونات اللازمة، من تحويل الإشارات وإدارتها إلى الاتصال اللاسلكي وتلقي الطاقة دون الحاجة إلى أسلاك أو وحدات خارجية مزروعة.
ويعمل النظام الخارجي كجسر اتصال يربط الشريحة بأي حاسوب باستخدام بروتوكولات اتصال عالية السرعة، ما يسمح بنقل كم هائل من البيانات العصبية في الزمن الحقيقي.
تعد هذه القدرة العالية على نقل البيانات عنصرا أساسيا لتشغيل نماذج متقدمة من التعلم الآلي والتعلم العميق، والتي تستطيع تفسير نوايا الحركة والإدراك الحسي والحالات الذهنية المعقدة، وبهذا لم تعد واجهات الدماغ مجرد أدوات تسجيل، بل أنظمة حوسبة متخصصة قادرة على التفاعل الذكي مع النشاط العصبي.
ولتقريب التقنية من الاستخدام الطبي الفعلي جرى تطوير إجراءات جراحية تتيح إدخال الشريحة عبر فتحة صغيرة في الجمجمة، ثم تمريرها مباشرة إلى الحيز تحت الجافية لتستقر على سطح الدماغ، ويساهم غياب الأقطاب المخترقة للأنسجة أو الأسلاك المتصلة بالجمجمة في تقليل تفاعل الأنسجة وتحسين استقرار الإشارات على المدى الطويل.
يرى الباحثون أن هذا المستوى غير المسبوق من التصغير والدقة يفتح الباب أمام أجيال جديدة من الأجهزة المزروعة التي قد تتفاعل مع الدماغ بوسائط إضافية مثل الضوء أو الصوت.
كما أن التحكم الدقيق في المواد العصبية النادرة قد يؤدي إلى استخدام أكثر كفاءة لها في تقنيات الطاقة والاتصال الطبي.
ومع التقدم المتسارع في الذكاء الاصطناعي تزداد أهمية هذه الواجهات ليس فقط لاستعادة الوظائف المفقودة لدى المرضى، بل أيضا لتطوير أشكال جديدة من التفاعل المباشر بين الدماغ والحاسوب.
ويؤكد الباحثون أن الجمع بين التسجيل العصبي عالي الدقة والتشغيل اللاسلكي الكامل وخوارزميات فك الشيفرة والتحفيز المتقدمة يقربنا من مستقبل يتفاعل فيه الدماغ والذكاء الاصطناعي بسلاسة لخدمة الإنسان سواء في العلاج أو في توسيع حدود القدرات البشرية.

