أحمد مصطفى:
عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: “الرضاع رؤية فقهية” بحضور أ.د جهاد محمود عيسى الأشقر، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأ.د محمد صلاح حلمي سعد، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الأستاذ سمير شهاب المذيع بالتلفزيون المصري.
في بداية الملتقى، أوضح فضيلة الدكتور محمد صلاح سعد أن المولى سبحانه وتعالى جعل أمر تربية الإنسان والعناية به فطرة غريزية، تشمل الجميع، وذلك لحكمة كبرى وهي الحفاظ على دوام حياة البشر، كما جعل أمر الرضاع أمراً فطرياً وشرعياً معاً، فالمرأة فطرت على إرضاع أبنائها وتقديم ما خلقه الله لهم، واستدل فضيلته على سعة رحمة الله بحادثة المرأة في غزوة حنين التي أظهرت قمة الحب والتعلق بولدها، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ فالله أرحم بخلقه من رحمة هذه المرأة برضيعها”، تأكيداً على أن رحمة الخالق تفوق أشد صور الرحمة البشرية، لذلك جعلها أمر شرعيًا “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ”.
وبين فضيلته أن المولى سبحانه وتعالى عبر عن شدة أهوال يوم القيامة وعظمتها في قوله: “يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ”، ويكمن السر في هذا التعبير القرآني بأنه بمثابة إخبار للإنسان أن فقدان الوعي وذهول المرضعة عن رضيعها هو أمر مستحيل فطرياً في الأحوال العادية، لأن العلاقة بين الأم ورضيعها هي أقدس وأقوى أنواع الارتباط، وكأنه سبحانه يقول: إن المرضعة لا يمكن أن تذهل عن وليدها إلا أمام أمر عظيم يفوق طاقة الفطرة نفسها، وهذا الأمر هو هول قيام الساعة الذي ينسي كل إنسان أعزّ ما يملك، مما يدل على أن الأهوال التي ستشهدها الأرض آنذاك تناهت في الفزع والشدة.
من جانبه، أشار فضيلة الدكتور جهاد الأشقر إلى العناية الإلهية الفائقة بحياة الإنسان في أضعف مراحل عمره، قال تعالى: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” وهذا النص القرآني يمثل حكماً قاطعاً يلجأ إليه لفضّ أي خلاف حول مدة الرضاع، وهو في حقيقته عناية إلهية ضمنها الله للرضيع الذي لا يملك لنفسه شيئاً، مما جعل الفقهاء ينصون على وجوب إرضاع الأم لابنها لما يحمله لبنها من فوائد غذائية ومناعية عظيمة لا يمكن لأي مكون آخر أن يحل محلها، وقد أيد هذا التشريع توجيه نبوي سابق للعلم الحديث، حيث نبه النبي صلى الله عليه وسلم من “الغيلة” (إرضاع المرأة ولدها وهي حامل) بقوله: “لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه”، وهو ما أثبته العلم الحديث لاحقاً من أن لبن المرأة الحامل يحمل تغيرات قد تضر بالرضيع، نتيجة فقده مادة هامة وهي مادة ” اللاكتوز”، التي أثبت الطب الحديث فيما بعد صحته.
وأوضح فضيلته أن الامتناع عن الرضاع الطبيعي تحت ذريعة الحفاظ على مظهر المرأة هي حجة باطلة، ذلك أن الإرضاع الطبيعي لا يقتصر نفعه على الطفل فقط، بل يفيد الأم أيضاً صحياً ونفسياً بشكل كبير، حيث يساعد على عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي بسرعة أكبر ويقلل من خطر الإصابة ببعض الأمراض، هذا التبادل في المنفعة يجعله سلوكاً فطرياً متكاملاً يحقق الفائدة للطرفين ويقوي الرابطة بينهما، مما يدحض أي زعم بضرره الجمالي أو البدني على الأم.
يذكر أن الملتقى “الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

