أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن إسرائيل لا زالت تُمارس التصعيد والعمليات العسكرية؛ بهدف تخريب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال أبو الغيط – في كلمته أمام المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد من أجل المتوسط – “إن إسرائيل لا زالت تفرض قيوداً على دخول المساعدات الإنسانية، ناهينا عن المواد الضرورية للتعافي المُبكر في حده الأدنى.. ومن بينها – على سبيل المثال – المواد اللازمة للنظام الصحي الذي تشتد حاجة أهل غزة له في الوقت الحالي”.
وأضاف “أن الفلسطينيين تعرضوا خلال العامين الماضيين لحرب غاشمة ومقتلة حقيقية، هي الأشد والأعنف والأقسى منذ نكبة 1948”.. وتابع “كان الهدف هو نزع الأرض من الشعب، أو تشريد الشعب من الأرض.. وقبل عامين، كان البعض يتصور أن الاحتلال يُمكن أن يدوم بكُلفة بسيطة، وأن القضية الفلسطينية لم يعد لها محل أو مكان على الأجندة العالمية”.
وأردف قائلا: “اليوم عرفنا جميعاً ثمن الاحتلال.. أكثر من 67 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، ومجتمع تم محوه تقريباً، بتحطيم مؤسساته ونسف بنيته الأساسية وحرمانه من كل أسباب الحياة الطبيعية، وبعد كل هذا الخراب والقتل، عُدنا إلى المربع الأول لنواجه الحقيقة التي لا مهرب منها، استمرار الاحتلال على هذا النحو مستحيل، فهو وصفة لاستمرار العنف والكراهية، واستمرار انعدام الاستقرار الإقليمي، وتدمير أجندة السلام والتعاون”.
وأوضح أبو الغيط “أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات العشرين نقطة وضعت مساراً لمعالجة الوضع في غزة، وعاد قرار مجلس الأمن 2803 ليسبغ على الخطة شرعية دولية، وهناك عزمٌ أكيد، لدى جميع الأطراف الفاعلة، للانتقال إلى المرحلة الثانية بأسرع ما يُمكن، ولكن يبدو واضحاً أن إسرائيل لا ترغب في السماح للفلسطينيين باستعادة حياتهم المُدمرة”.
وأشار الأمين العام للجامعة العربية إلى مواقف أوروبية مُشرفة وبناءة انتصرت لقيم الإنسانية والعدالة، خلال عامين من الحرب كانا في واقع الأمر أقسى اختبار لمدى الإيمان الحقيقي بقيم الإنسانية المُجردة المتجاوزة للعرق والدين الإنسانية التي تنظر للبشر بوصفهم بشراً فحسب.. وقال “إنه لا شك أن الفلسطينيين، وبرغم شدة المحنة التي تعرضوا لها، قد كسبوا قلوباً وعقولاً عبر العالم، قلوباً أدركت شناعة الجريمة المُرتكبة في حق الفلسطينيين، وعقولاً تحررت من أسر السردية الإسرائيلية بعد أن اكتشفت زيفها وخواءها”.
وأضاف “ولا شك أيضاً أن حركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية لعبت – وستلعب – دوراً محورياً في وضع قضية فلسطين، وليس غزة وحدها، على الأجندة الدولية”.
وأشار إلى أنه تم التوافق على إعلان نيويورك بالإجماع في سبتمبر الماضي، وهو يرسم مساراً مُفصلاً لتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة.. داعيا إلى عدم تحويل بصرنا عن هذا الهدف.
وأوضح أن وقف إطلاق النار مجرد خطوة، أما الهدف المنشود فهو التسوية الدائمة، داعيا الى الاستمرار في العمل معاً – عرباً وأوروبيين عبر ضفتي المتوسط – من أجل الاقتراب أكثر من هذه الغاية.. وتابع: “فكلما صارت الدولة الفلسطينية أقرب منالاً، كلما صار الإقليم أكثر استقراراً”.
وأردف قائلا: “لا أتحدث هنا عن الإقليم العربي فحسب، وإنما أيضاً الفضاء المتوسطي الأوسع الذي ينطوي على إمكانيات هائلة للتعاون والازدهار المشترك، ولا زال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقف حائلاً دون تحققها”.
وتطرق أبو الغيط إلى الأوضاع في السودان.. وقال إن السودان شهد حرباً مُدمرة صار واضحاً أنها تُهدد وحدة البلد، فضلاً عن كلفتها الإنسانية التي فاقت كل حد.
وأضاف أن الأمم المتحدة تؤكد أن السودان هو الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم، حيث أن هناك نحو 9 ملايين نازح، وأكثر من 3.5 مليون لاجئ، والخوف من القتل والتشريد والجوع يُسيطر على الملايين.
ودعا الأمين العام للجامعة العربية إلى هدنة إنسانية كخطوة أولى نحو تسوية سياسية لهذا النزاع المروع في كلفته البشرية وآثاره على المنطقة.
وأكد أهمية الحفاظ على السودان موحداً، وعلى وحدة مؤسساته ونسيجه الوطني وقواته المُسلحة.. ورحب بكل جهد يُبذل في هذا الاتجاه، وعلى رأسها جهود الرباعية التي تضم ثلاث دول عربية، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة التي بذلت مساعي صادقة ومُقدرة من أجل وقف الحرب الدموية.
كما رحب من جهة أخرى بخارطة الطريق الأممية الهادفة إلى توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات في ليبيا، كونها السبيل الوحيد لإنهاء المراحل الانتقالية التي طال أمدها.
واعتبر أن توقيع ممثلين عن مجلس النواب والدولة مؤخراً على اتفاق البرنامج التنموي الموحد، يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نوح توحيد المؤسسات، بما يدعم فرص التوصل إلى تسويات أوسع تُلبي تطلعات الشعب الليبي وتُعيد الاستقرار لهذا البلد المؤثر في الفضاء المتوسطي.
وتحدث أبو الغيط عن تحديات المناخ والطاقة قائلا “واجه فضاؤنا المتوسطي تحدياتٍ جسيمةً من المناخ والطاقة إلى الأمن الغذائي والهجرة والتنمية، ومن احتواء الأزمات والصراعات إلى التصدي للتطرف بكافة أشكاله”.. مضيفا “أنها تحدياتٌ لا يُمكن مجابهتها سوى بعملٍ متضافر يقوم على التفاهم والمصلحة المشتركة والاحترام المتبادل”.
وشدد على أن الجامعة العربية ستظل شريكاً موثوقاً، وداعِماً مُستمراً للتعاون العربي الأوروبي على كافة المستويات.. وتابع “سنواصل العمل لتعزيز العلاقة المؤسسية رفيعة المستوى بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والتي تم وضع لبنتها الأساسية عام 2015 من خلال توقيع مذكرة التفاهم بين الجانبين”.
وعبر أبو الغيط عن التطلع بتفاؤل كبير لعقد الاجتماع الوزاري السادس والقمة العربية – الأوروبية الثانية، والتي ستمثل بلا شك محطة مهمة في طريق بناء علاقة استراتيجية تكون على مستوى تطلعات شعوبنا على ضفتي المتوسط، وبحيث يظل هذا البحر، كما كان دوماً عبر التاريخ: حاملاً للنماء، وجسراً للتلاقح الثقافي، وفضاء مفتوحاً للازدهار المشترك.
