مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

من طرد الفرس إلى “رؤية 2040”: تأسيس الدولة البوسعيدية.. اللحظة التي صنعت عُمان الحديثة

بقلم : أحمد فتحي

تحتفل سلطنة عُمان في العشرين من نوفمبر من كل عام بـاليوم الوطني المجيد، وهو مناسبة عزيزة تتجسد فيها عظمة التاريخ العُماني وعمق الجذور الوطنية، فهو ليس مجرد عطلة رسمية، بل وقفة لتخليد ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية في عام 1744م على يد الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي هذا القرار السلطاني الحديث بتوحيد اليوم الوطني مع ذكرى التأسيس يعكس اعتزاز السلطنة بمسيرتها الممتدة لقرون وتكريمًا للأسرة الحاكمة التي قادت البلاد نحو الاستقرار والازدهار.

وشهدت السلطنة في مطلع القرن الثامن عشر حالة من الانقسام والاحتلال الأجنبي، وتحديدًا الوجود الفارسي الذي استنزف موارد البلاد وأضعف وحدتها من رحم هذه الظروف الصعبة، برزت شخصية فذة هي أحمد بن سعيد البوسعيدي، الذي كان قائدًا عسكريًا محنكًا وتاجرًا ثريًا يتمتع بنفوذ واسع وبصيرة سياسية.

في عام 1744م، تم انتخابه إمامًا على عُمان بعد أن قاد المقاومة العُمانية بنجاح وتمكن من طرد الفرس من البلاد، مُعيدًا بذلك السيادة الوطنية الكاملة. يُعدّ هذا التاريخ هو اللحظة الفارقة التي أعلنت قيام الدولة البوسعيدية، التي ورثت إرث الأئمة السابقين ووضعت الأسس لدولة عصرية قوية. لقد قام الإمام أحمد بن سعيد بتوحيد الصف العُماني المنقسم، وإرساء الأمن والاستقرار، كما اهتم بالجانب الاقتصادي والتجاري، لتبدأ عُمان مرحلة جديدة من النهضة الداخلية والامتداد البحري.

 

قد يهمك ايضاً:

رئيس الوزراء يلتقي نظيره الفيتنامي

لم يقتصر الإنجاز البوسعيدي على توحيد عُمان، بل امتد تأثيره ليؤسس إمبراطورية عُمانية واسعة النفوذ، لا سيما في عهد حفيده السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. في هذا العصر الذهبي، بلغت الإمبراطورية أوج مجدها البحري، وشملت مناطق شاسعة في شرق أفريقيا، أبرزها زنجبار، لتصبح عُمان قوة بحرية مهيمنة في المحيط الهندي وتُقيم علاقات دولية متوازنة مع القوى العظمى آنذاك. وقد واجهت الأسرة الحاكمة العديد من التحديات الداخلية والإقليمية، لكنها نجحت في الحفاظ على استمرارية الحكم ووحدة التاريخ العُماني.

 

يمثل اليوم الوطني في 20 نوفمبر تتويجًا لهذا الإرث التاريخي العريق. فبعد أن كان الاحتفال يُقام في 18 نوفمبر بمناسبة ذكرى مولد السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور، جاء القرار السامي للسلطان هيثم بن طارق بتغييره إلى 20 نوفمبر ليؤكد على العمق التاريخي للدولة وتكريمًا للإمام المؤسس.

اليوم الوطني فرصة للعُمانيين لاستحضار تضحيات الأجداد، وتجديد الولاء للقيادة الحكيمة، والاحتفاء بالنهضة الشاملة التي تشهدها السلطنة، والمتمثلة حاليًا في جهود تحقيق “رؤية عُمان 2040”. تشمل الاحتفالات مسيرات وعروضًا شعبية وفعاليات تُبرز التراث العُماني، وتُزين الشوارع والمباني بألوان العلم العُماني الأحمر والأبيض والأخضر، في مشهد يعكس الفخر والوحدة الوطنية.

بهذا التوحيد بين ذكرى التأسيس واليوم الوطني، تبعث سلطنة عُمان برسالة واضحة: هي دولة راسخة الجذور، متمسكة بتاريخها، وماضية بكل عزم في مسيرة التنمية والازدهار، جاعلة من وحدتها التاريخية قوة دافعة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.