كـ عادتي الفطرية أخذني الشغف إلى الخلوة الروحانية بمفردي مع نسيم الهواء البارد بعد يومٍ شاق من عدد ساعات مُرهقة للأعصاب ؛ بعدما كان يبدو عليه الهدوء والسكينة في بدايته ؛ ولكن كان ختامه على غير ما يُرام ! “
بعد وصولي إلى المنزل وهو بالنسبة لي السكن والراحة بين الجدران بعيدًا عن ضوضاء المدينة وصراخ الأطفال في الشوارع الريفية ؛ والأصوات الملوثة للسمع ؛ والرؤى التي تُشاهدها الأعين من عبس وزوايا أُخرى مُشمئزة ! فأنا دائمًا وأبدًا أعشق الإنفراد بخلوتي مع صُحبة القهوة الخالية من حبّات السُكر ؛ التي كُنت أرتشفهتا في كوب من الإزاز قبل أن ينعم الله عليّا بإيجاد فنجانٍ لا أعلم معدنه سواء كان من صنع الفخار أم البورسلين ؛ فأنا لم أجيد الحرفة في التفرقة بين هذا وذاك ! .
وفي الثالثة بعد منتصف الليل ذهبت إلى غرفة المطبخ لكي أصنع فنجاني المُفضل ، ثم جلست على شرفة مكتبي الخاص المُبعثر أوراقه دائمًا ؛ أخذني الهيام في التفكير نحو المرأة !! ياله من شيء مُزعج وسط هذا السكون وكيف لي أن أطرد هذا الخيال من رأسي ولماذا أفعل هذه الليلة التي تختم بهذا التكوين ! .
أمسكت قلمي لا إراديًا أكتب كلمة تارة وأخرى ثم أقوم بتمزيق الأوراق حتى إمتلئت سلتي وأصبح الأمر غير مهندم ! ياله من هذا المكتب المشؤوم ؛؛ فصار الحبر يجري ويخط بكلمات عابرة وعنوانها ” كيف تصبحينَ جارية ! ” ونحن لسنا في زمن العبيد ! .
نظرت إلى المرأة التي تُواجه العالم بتفتح وتبجح ؛ وتتعامل مع العامة وكأنها تروج لنفسها وتقول أنا التي يجب على الجميع النظر لي فأنا الملفتة ؛ وأنا شجرة الُدر ؛ وأنا حتشبسوت ؛ وأنا كليو باترا ؛ وأنا عروس النيل ؛ فأنظروا لي أيها الرجال ؛ فأنا فتاة حسناء المظهر ؛ وأنا التي يغير منها جميع النساء ! وهي المُتغافلة الزاهدة الشاردة في عقلها المحدود وفكرها المُتدني ؛ وطباعها السيء وأركانها التي يبوح منها كل رائحة كريهة ؛ ظنًا بأنها رائحتها كالمسك ولكن بعض الظن إثم ! .
تلعب أدوار مختلفة الأجواء ؛ فهي كثيرة التحدث مع الرجال بدون حياء ولا غيرة على نفسها معدومة الحُرية ؛ والوقوف معهم أمام العامة ؛ بحجة أنها تتعامل بفطرتها السليمة السوية ؛ فهذا ابن عمي ، وذاك ابن خالي ؛ وآخر كنت ألاعبه وهو طفل صغير فأمازحه في الكبر وهذا أمر طبيعي ؛ وهُناك صديق ؛ وخلفه عابر سبيل وهي صاحبة كرامات ؛ لا تبخل عن أحد بالإقتراب من محرابها ! فبابها دائمًا مفتوح لا يُغلق ولا عليه ترباس من حديد ! .
فبهذا أصبحت سلعة يُرددُونها الكثير ؛ حتى تقع في دائرة تُشبه جزيرة الأشباح المظلمة ! وكل بين هذا وذاك يسرد للأخر تفاصيل عنها في منتهى الدقة ! وهو الكاذب أحيانًا لكن يرتب الكلمات بكل صدق ومهارة التأليف ؛ فيشيع الفاحشة التي رواها من ذاكرته وخياله ويعيش الأجواء الشاعرية حتى ينهي السيناريو وهو البطل في قصتها ؛ فتدخل هي دوامة الأقاويل حتى تصبح حديث المدينة ! .
فكيف حولت نفسها من صنع خلقه الله وأكرمه ، وجعل لها دستور يحفظ لها كرامتها من المهانة ، وشرائع وأحاديث نبوية مختلفة تُحررها من القيود والعبودية ؛ وقوانين إلاهية تُحجب عنها القيل والقال ؛ فهي من حولت نفسها من شيء ثمين إلى سلعة بخثة تُشترى وتُباع بأرخص الأثمان ؛ فكوني حذره يا حفيدة حواء لقد خلقك الله دُرة مصُونة ؛ فلا تصبحين أنتِ بأفعالك جارية في سوق النساء !! وللحديث بقية .
