مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قناة السويس: كيف استعادت مصر ثقة الملاحة العالمية؟

بقلم – د إسلام جمال الدين شوقي

 خبير الاقتصاد ومحلل أسواق المال

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

تشهد قناة السويس حاليًا تحولاً تاريخيًا في حركة الملاحة العالمية، حيث أعلنت شركة ميرسك الدنماركية – أحد عمالقة الشحن العالمي – دراسة عودة سفنها للعبور عبر القناة، في قرار يمثل اعترافًا عمليًا بأهمية الممر المصري كأكثر المسارات أمانًا وجدوى من حيث التكلفة والوقت.

استعادة الثقة العالمية

يأتي قرار شركة ميرسك دراسة عودة سفنها عبر قناة السويس تحولاً مهمًا في خريطة الملاحة العالمية، حيث يأتي القرار تتويجًا لعودة الاستقرار النسبي لأوضاع البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ونجاح هيئة قناة السويس في استعادة ثقة الخطوط الملاحية الكبرى عبر حزمة حوافز وسياسات تسويقية مرنة أعادت رسم خريطة المرور التجاري بين آسيا وأوروبا، ويشكل هذا التحول اعترافًا عمليًا من الشركات الكبرى، وفي مقدمتها ميرسك، بأهمية الممر المصري كأكثر المسارات أمانًا وجدوى من حيث التكلفة والوقت.

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب ” محطة ” مبارك !

أحمد سلام يكتب من غير عنوان

ولا شك أن المؤشرات العملية تؤكد هذا التغير، حيث يُعد عبور السفينة العملاقة CMA CGM BENJAMIN FRANKLIN – أكبر سفينة حاويات تمر بالقناة منذ عامين – رسالة طمأنة قوية للأسواق البحرية العالمية، ويمثل العبور الآمن للسفينة عبر القناة ثم مضيق باب المندب استعادة حقيقية لثقة الملاحين العالميين في استقرار أهم ممر ملاحي دولي. كما يظهر نجاح هيئة قناة السويس في استعادة 28 رحلة لسفن متوسطة الحجم ورحلتين لسفن عملاقة يعكس فاعلية الحوافز المالية والسياسات المرنة في جذب شركات الشحن الكبرى نحو القناة.

يستند قرار ميرسك بدراسة عودة العبور من قناة السويس إلى اعتبارات اقتصادية بحتة، حيث يتجاوز الفارق بين المسارين تسعة آلاف كيلومتر، مما يعني توفير أسبوعين من زمن الإبحار وتكاليف تشغيلية تصل لملايين الدولارات في كل رحلة، إضافة إلى خفض استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات الكربونية بما يتماشى مع معايير الاستدامة العالمية. ويأتي القرار متزامنًا مع تراجع المخاطر في البحر الأحمر بعد عام من التوترات الأمنية، مما جعل إعادة تقييم المخاطر البحرية تميل لصالح الممر المصري كأقصر الطرق وأكثرها أمانًا وربحية.

أما رفع شركة “ميرسك” لأسعار النولون على السفن البترولية مقارنة بالسفن العادية، فيعود إلى الفارق الكبير في تكاليف التأمين والمخاطر التشغيلية بين النوعين، حيث تُعد ناقلات النفط من أكثر السفن حساسية من الناحية التأمينية، إذ تفرض شركات التأمين العالمية علاوات خطر إضافية تعرف باسم “War Risk Premium” على شحنات النفط الخام نظرًا لقابليتها للاشتعال وارتفاع قيمتها السوقية، مما يضاعف من تكلفة الرحلة. كما أن ناقلات النفط ضخمة وبطيئة بطبيعتها، مام يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود وإطالة مدة الرحلة، وبالتالي ارتفاع التكلفة النهائية للنقل.

تداعيات استراتيجية لمصر

إن هذا التحول في توجهات الشركات العالمية نحو العودة إلى قناة السويس يمثل مؤشرًا اقتصاديًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية لمصر، إذ يعكس استعادة الممر الملاحي المصري لمكانته المحورية في التجارة الدولية، ويؤكد قدرة هيئة قناة السويس على المنافسة بمرونة واحترافية رغم التقلبات الجيوسياسية. كما يعزز ذلك من تدفقات النقد الأجنبي إلى الاقتصاد المصري، ويدعم مكانة مصر كمحور رئيسي لحركة التجارة والطاقة في العالم.

تشكل عودة السفن العملاقة لعبور لقناة السويس أكثر من مجرد تطور فني في حركة الملاحة، حيث تُشير لمرحلة جديدة من التعافي البحري العالمي، تعود فيها قناة السويس لتكون القلب النابض للتجارة الدولية، والطريق المفضل للشركات الكبرى الباحثة عن التوازن بين الأمان والكفاءة الاقتصادية، ويعيد هذا المشهد تأكيد امتلاك مصر للموقع والإدارة والخبرة ما يضعها دومًا في صدارة الممرات البحرية الاستراتيجية عالميًا.