مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: موقعة اليرموك.. شهادة على “فقه العزة” الذي طبقه الصحابة تطبيقا عمليا

أحمد مصطفى:

عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: “موقعة اليرموك دروس وعبر”، بحضور كل من أ.د السيد بلاط، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، وأ.د مجدي عبد الغفار أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الأستاذ سمير شهاب المذيع بالتلفزيون المصري.

في مستهل الملتقى، أوضح فضيلة الدكتور السيد بلاط، أن معركة اليرموك سميت بهذا الاسم لوقوعها بجوار نهر اليرموك في شمال الأردن، وتعود بدايتها إلى السنة الثالثة عشرة من الهجرة، عندما وصلت معلومات للخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه تفيد بأن الروم بصدد إعداد جيش لمواجهة المسلمين في بلاد الشام، وعلى الفور، استشار أبو بكر كبار الصحابة واتفقوا على إعداد جيش لمواجهة هذا التحدي، فكان التخطيط المبدئي يقضي بتكوين أربع فرق قوامها الإجمالي 27 ألف مقاتل، موزعة على جبهات مختلفة: الأولى بقيادة عمرو بن العاص في فلسطين، والثانية بقيادة يزيد بن أبي سفيان في دمشق، والثالثة بقيادة شرحبيل بن حسنة في الأردن، والرابعة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح في حمص، إلا أن إمبراطور الروم “هرقل”، حشد جيشاً ضخماً قوامه 240 ألف مقاتل لمواجهتهم، وهنا تجلت حكمة القادة وإدراكهم لأهمية الاتحاد، حيث أشار عمرو بن العاص على قادة المسلمين قائلاً: “أرى أن نجتمع، فالأولى الاجتماع، فإذا اجتمعنا لن نغلب من قلة”، ليقرر القادة الاجتماع في موقع اليرموك، وهو القرار الذي جسد مبدأ التعاون والتلاحم، ومهد للنصر الحاسم فيما بعد.

قد يهمك ايضاً:

انطلاق اختبارات “مدرسة التلاوة المصرية” بالجامع…

ملتقى الجامع الأزهر للقضايا المعاصرة: الشورى مسار حضاري وهو…

وشدد فضيلته على أن الاتحاد والتعاون يمثلان حجر الزاوية وأهم عوامل النصر للأمة، وهذه الدعوة هي أمر إلهي وضرورة وجودية؛ فقد نص القرآن الكريم بوضوح على أساس العلاقة بين المسلمين، فقال تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”، ودعا المولى سبحانه وتعالى إلى التمسك بالوحدة كشرط للعزة والنجاة بقوله: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”، كما أكدت السنة النبوية الشريفة على هذا المفهوم بصور مختلفة، فصور النبي صلى الله عليه وسلم ترابط المسلمين بقوله: “المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيانِ يشدُّ بعضُهُ بعضًا”، وشبه وحدة المسلمين وتفاعلهم بقوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” فهذه النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية ترسي حقيقة أن التعاون لا يمكن النصر على الأعداء بدونه.

من جانبه أكد فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار أنه لا يمكن أن يكون هناك نصر بلا تضحيات، وعلى الأمة أن تتعلم من “فقه العزة”، الذي رسخ له الصحابة رضوان الله عليهم في معركة اليرموك، والذي جعلهم يدافعون عن أرضهم وأوطنهم مقدمين في سبيل ذلك كل غالي ونفيس، مشيرًا إلى ما بذله الصحابة الكرام من تضحيات عظيمة في مواجهة جيش الروم في غزوة اليرموك، خير دليل على أن الأمة الإسلامية لا ترضى دون العزة بديلُا، فقد كانت عزيمتهم رغم قلة عددهم أمام جيش الروم، هي سر النصر، وخلال هذه المعركة سطر الصحابة رضوان الله عليهم العديد من المواقف المشرفة التي تدل على مدى تضحياتهم التي قدموها في سبيل الحفاظ على عزتهم وكرامتهم، فعمرو بن العاص رضى الله ورده على الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ذلك الموقف الذي جسد به “فقه العزة”، عندما قال له: “يا خليفة المسلمين إنما أن سهم من سهام الله فانظر ماذا تريد أن ترمي إليه فارمني إليه”، وكذلك موقف أسماء بنت يزيد الأنصارية، في معركة اليرموك، هو نموذج تطبيقي لدور المرأة أيضًا في “فقه العزة”.

وشدد فضيلته على ضرورة أن يتعلم شبابنا من هؤلاء الأبطال “فقه العزة”، من خلال تاريخ الإسلام قراءة جيدة من أجل التطبيق والتعلم؛ لأن التاريخ الإسلامي ليس مجرد سرد للوقائع والأحداث، بل هو كنز لاستخلاص الدروس العملية في بناء الشخصية المؤمنة والقادرة على إحداث التغيير، فقراءة سير القادة والمصلحين والصحابة تعلمنا كيف تكون العزيمة في مواجهة الصعاب، وكيف يبنى النصر على أسس الإيمان والتضحية والوحدة، كما فعل عمرو بن العاص وأسماء بنت يزيد الأنصارية.

يُذكر أن ملتقى “السيرة النبوية” الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.