شاشا بدر:
في عالمٍ يموج بالضغوط والتحديات، لم يعد الإنسان يبحث فقط عن راحته الجسدية، بل عن سلامٍ داخليٍ يعينه على مواصلة حياته بثبات وثقة. ومن بين الأساليب النفسية الحديثة التي أثبتت فعاليتها في هذا المجال، يبرز العلاج المعرفي السلوكي (CBT) كأحد أهم الطرق التي ساعدت الملايين حول العالم على تجاوز القلق، الاكتئاب، والمشاعر السلبية، من خلال إعادة بناء العلاقة بين الفكر والمشاعر والسلوك.
أولًا: ما هو العلاج المعرفي السلوكي؟
العلاج المعرفي السلوكي، أو ما يُعرف اختصارًا بـ CBT (Cognitive Behavioral Therapy)، هو أسلوب علاجي يعتمد على الفهم العلمي لطريقة تفكير الإنسان.
يرتكز هذا العلاج على فكرة أساسية تقول إن:
الأفكار التي تدور في أذهاننا تؤثر على مشاعرنا، ومشاعرنا بدورها تؤثر على سلوكنا
بمعنى آخر، ليست الأحداث هي التي تحدد حالتنا النفسية، بل الطريقة التي نفسّر بها تلك الأحداث.
فعلى سبيل المثال، إذا فشل شخص في إنجاز مهمة ما، يمكن أن يقول لنفسه:
“أنا غير قادر على النجاح”،
فتظهر مشاعر الحزن والإحباط، ويبدأ في الانسحاب أو تجنب المحاولة.
أما إذا غيّر طريقته في التفكير وقال:
> “لم أنجح هذه المرة، لكن يمكنني التعلم من الخطأ وتحسين نفسي”،
فستتحول مشاعره إلى أمل وإصرار، وسيتصرف بإيجابية.
وهنا يكمن جوهر العلاج المعرفي السلوكي: تعديل الفكر لتعديل الشعور والسلوك.
ثانيًا: كيف يعمل العلاج المعرفي السلوكي؟
العلاج المعرفي السلوكي لا يعتمد على الحديث العام فقط، بل يقوم على خطوات عملية ومنهجية يتعلم من خلالها الفرد كيف يفهم نفسه.
يتعاون المعالج والمسترشد كفريق واحد، والهدف ليس فقط تجاوز المشكلة، بل تعلم مهارات جديدة للتعامل مع الحياة.
تشمل العملية عادةً ما يلي:
1. تحديد المشكلة أو الموقف المسبب للضيق.
2. اكتشاف الأفكار التلقائية التي تراود الشخص في هذا الموقف (مثل “لن أنجح أبدًا” أو “الناس أفضل مني”).
3. تحليل هذه الأفكار والتأكد من مدى صحتها وواقعيتها.
4. استبدالها بأفكار أكثر توازنًا وواقعية.
5. مراقبة التغير في المشاعر والسلوك بعد تعديل طريقة التفكير.
بهذا الشكل، يتعلم الشخص أن يكون مراقبًا لعقله، بدل أن يكون أسيرًا له.
ثالثًا: تعديل الأفكار السلبية
العقل البشري ينتج آلاف الأفكار يوميًا، وكثير منها يكون سلبيًا تلقائيًا.
قد نميل إلى تضخيم الأخطاء، أو مقارنة أنفسنا بالآخرين، أو الخوف من الفشل.
العلاج المعرفي السلوكي يساعدنا على تمييز هذه الأفكار وإعادة صياغتها.
مثال بسيط:
الفكرة السلبية: “أنا أقل من الآخرين ماليًا ووظيفيًا.”
التحدي المعرفي: “هل هذا يعني أنني فاشل؟ أم أن النجاح له أشكال متعددة؟”
الفكرة البديلة: “كل شخص في مرحلة مختلفة من حياته، وأنا أعمل على تطوير نفسي بخطوات ثابتة.”
مع الوقت، تتغيّر الطريقة التي يرى بها الإنسان نفسه والعالم من حوله، فينخفض القلق، ويزداد الشعور بالرضا والثقة.
رابعًا: تعلم مهارات التكيف
واحدة من أهم نتائج العلاج المعرفي السلوكي هي تعزيز القدرة على التكيف.
فالحياة لا تخلو من التحديات، لكن من يملك مهارات التكيف يستطيع التعامل معها دون أن يفقد توازنه النفسي.
ومن هذه المهارات:
تنظيم الأفكار تحت الضغط.
إدارة الانفعالات والغضب.
المرونة النفسية أمام التغيير.
التواصل الإيجابي مع الآخرين.
اتخاذ القرارات بثقة وهدوء.
العلاج لا يهدف إلى إزالة كل المشاعر السلبية، بل إلى فهمها والتعامل معها بوعي حتى لا تتحول إلى عبء دائم.
خامسًا: أثر CBT في الحياة اليومية
عندما يتعلّم الإنسان مراقبة أفكاره وتعديلها، يبدأ بالتغيّر من الداخل.
يصبح أكثر وعيًا بذاته، وأقل تأثرًا بالمقارنات أو النقد أو الفشل المؤقت.
تتحول الصعوبات إلى فرص للتعلم، والماضي إلى خبرة، والمستقبل إلى مساحة من الاحتمالات.
ويكتشف الفرد أنه لا يحتاج
إلى أن يكون “مثاليًا” ليكون سعيدًا، بل يكفي أن يكون متوازنًا وصادقًا مع نفسه.
ط
