مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

خالد عامر يكتب ما فعله أحمد الشرع!

بقلم خالد عامر

في الذكرى الثانية والخمسين لانتصار السادس من أكتوبر 1973 تعود الذاكرة إلى واحدة من أعظم المعارك التي وقعت في التاريخ الحديث، ذلك اليوم الذي ارتفعت فيه راية العزة في سيناء وما زال حتى اليوم يثير رهبة في الوعي الإسرائيلي وفخرًا في الوجدان المصري والعربي.
لكن التاريخ لا يخلو من محاولات التشويه والطمس، كما ظهر مؤخرًا في موقف الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام السابق والرئيس السوري الحالي بعد أن تحول اسمه إلى أحمد الشرع، الذي قرر إلغاء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر داخل سوريا، فالقرار لم يكن مجرد تصرف إداري بل رسالة سياسية مقصودة تكشف بوضوح عن اتجاه فكري معادٍ للدولة الوطنية ومتماشٍ مع الفوضى، فهو يدين بالولاء لمن ساعده في التحول من إرهابي تطارده الأجهزة الأمنية عالميًا إلى رئيس شرعي للدولة السورية.

فيوم السادس من أكتوبر هو اليوم الأسود في إسرائيل، إذ يمثل لحظة الانكسار العسكري الأكبر في تاريخهم الحديث، ولذلك فإن امتناع الجولاني عن الاحتفال بذكرى النصر يحمل منطقًا خاصًا ومشروعًا فكريًا، فمن الطبيعي ألا يحتفل من يقف في صف من خسر. فالجولاني، الذي كان مطلوبًا للمخابرات الأمريكية مقابل عشرة ملايين دولار قبل أن يتحول إلى الرئيس السوري، يعكس نموذجًا جديدًا لتحول الفكر المتطرف إلى أداة سياسية مدعومة غربيًا، فتلك التيارات الدينية المتطرفة بمختلف أسمائها تشترك في كراهيتها لنصر السادس من أكتوبر لأنه رمز لنجاح الدولة الوطنية واستقلال قرارها العسكري والسياسي، وهؤلاء التيارات تصف الأوطان بحفنة من تراب عفن.

فبعد اثنين وخمسين عامًا تعود إلى الأذهان الأحداث، فما أشبه اليوم بالأمس. قرار الرئيس السوري الحالي أشبه بقرار القيادة السورية في حرب أكتوبر 73، فرغم بسالة الجندي السوري الذي قاتل ببطولة، إلا أن القرارات السياسية والعسكرية العليا في دمشق وقتها أثارت وما زالت تثير تساؤلات متعددة. ففي الأيام الأولى للمعركة تم تغيير توقيت الضربة الجوية في اللحظات الأخيرة وإلغاء قصف مطارات العمق الإسرائيلية رغم كونها في مدى الطيران السوري، هذا القرار سمح للطيران الإسرائيلي بالتحرك بحرية أكبر وتنفيذ ضربات مؤثرة ضد الجبهتين المصرية والسورية على حد سواء.

قد يهمك ايضاً:

احذر فربما تكون مريضا نفسيا؟!! بقلم …د.صبحي الشافعي

أحمد سلام يكتب من الأزهر الشريف .. إلي الجنة

ثم جاءت ليلة السابع من أكتوبر لتشهد القرار الأكثر غموضًا، حين توقفت القوات السورية عن التقدم المفاجئ قبل كيلومترات قليلة من ضفة نهر الأردن بعدما كانت قاب قوسين من استعادة الجولان بالكامل، هذا التوقف ساهم في قلب موازين القوة ومنع تحقيق انتصار شامل.

لكن الأغرب هو ما حدث للقوات المغربية، فقد أرسل المغرب لواءً مدرعًا للمشاركة في الجبهة السورية، لكن بعد انسحاب الجيش السوري المفاجئ من قمة جبل الشيخ وجد اللواء المغربي نفسه بلا دعم أو غطاء، والنتيجة كانت مأساوية؛ أُسر أفراد اللواء واستولت إسرائيل على معداتهم القتالية كاملة، بل استخدمتها ضد القوات المصرية ونجحت في خداعنا، وكان لهذا الخداع أثر مباشر في استهداف مواقع مصرية مهمة.

لتأتي العراق بالموقف البطولي الحقيقي وترسل فيلقًا مكونًا من 24 طيارًا للمشاركة في القتال، وعندما اقتربت القوات الإسرائيلية من دمشق كان الفيلق العراقي هو من أنقذ الموقف وشكل خط الدفاع الحاسم. خاض الطيارون العراقيون معارك قوية وتعرضوا لخسائر كبيرة نتيجة نيران صديقة، لكنهم ظلوا يقاتلون بثبات حتى منعوا سقوط دمشق.

لكن بالرغم من كل المساهمات العربية، فإن حرب أكتوبر في جوهرها كانت مصرية خالصة من حيث التخطيط والقيادة والتنفيذ، خاضت مصر المعركة بقرار وطني مستقل وحققت نصرًا استراتيجيًا غير موازين القوة في الشرق الأوسط، فالقيادة المصرية أدارت الحرب على مستويين متوازيين: المستوى العسكري الميداني الذي حقق العبور وتحرير سيناء، والمستوى السياسي الذي ترجم النصر إلى مكاسب دبلوماسية وتغيير جذري في نظرة العالم لمصر والمنطقة. لقد شارك الأشقاء لكن بدرجات متفاوتة، وبعضها ظل رمزيًا لا يرقى إلى مستوى المشاركة الحاسمة، لكن مع مرور السنوات تحولت هذه المشاركات المحدودة إلى بطولات إعلامية تُروى في غير سياقها، بينما تبقى الحقيقة أن مصر وحدها تحملت العبء في الحرب ودفعت ثمن النصر.

حين يرفض الجولاني الاحتفال بذكرى أكتوبر، فهو لا يرفض حدثًا عسكريًا، بل يحاول طمس الذاكرة العربية التي صنعتها الجيوش الوطنية. فإلغاء رمزية أكتوبر هو جزء من الحرب النفسية على الوعي الجمعي العربي ومحاولة لإضعاف فكرة الدولة لصالح مشروعات “الفوضى الخلاقة” العابرة للحدود. اليوم لم تعد الحرب بالسلاح، بل بالإعلام، ومن يحتفل بأكتوبر يؤكد انتماءه للدولة الوطنية حفظ الله مصر حفظ الله الجيش.