مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

هدير عبدالعظيم تكتب «الذكاء الاصطناعي بين تحديات التكنولوجيا وفرص التحول»

بقلم : هدير عبدالعظيم

في السنوات الأخيرة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة مقتصرة على أفلام الخيال العلمي أو الدراسات الأكاديمية الغربية، بل صار جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمصريين. بدايةً من الهواتف الذكية التي ترشح لنا ما نقرأه ونشاهده، مرورًا بالتطبيقات التي تنظم حركة المواصلات وتوفر خدمات التوصيل، وصولًا إلى مبادرات حكومية تخطو نحو الرقمنة، أصبح هذا التطور يشكل نقطة تحول غير مسبوقة في الروتين العام.

 

طبيعة المجتمع المصري تجعل موقفه من الذكاء الاصطناعي متأرجحًا بين الإعجاب بقدرته على تحسين الحياة والتخوف من تأثيره السلبي على فرص العمل والخصوصية. الشاب الباحث عن وظيفة يرى فيه تهديدًا محتملًا لمستقبله المهني، بينما يراه آخرون بوابة لفرص جديدة كانت مستحيلة سابقًا. هذا التباين يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل ستعيد التكنولوجيا رسم ملامح الإنسان المصري، أم أن المصريين سيتمكنون من ضبط مسار هذه التقنية لتتماشى مع ثقافتهم وهويتهم الاجتماعية؟

 

قد يهمك ايضاً:

دول الخليج والواقع المر

إلى كل عقلاء العالم من سائر الأديان السماوية منها والارضية

من المثير للاهتمام أن يُظهر الذكاء الاصطناعي الفجوة الاجتماعية بشكل واضح في مصر. ففي المدن الكبرى، تتوفر تطبيقات الدفع الإلكتروني وخدمات المساعدة الرقمية مثل “الشات بوت”، بينما تظل القرى والأقاليم بعيدة عن هذا الرقي التكنولوجي. ما يبدو هنا ليس فقط تطورًا تقنيًا، بل مرآة تعكس واقع التفاوت الطبقي والعدالة الاجتماعية، وتطرح تساؤلات حول الحق الجماعي في الوصول المتساوي لهذه الأدوات الجديدة.

 

حتى الثقافة الشعبية لم تفلت من تأثيرات الذكاء الاصطناعي. خوارزميات المنصات الرقمية مثل “تيك توك” و”يوتيوب” تخلق نجومًا جدد بين عشية وضحاها، وتعيد تشكيل مفهوم الشهرة والانتشار. لم يعد النجوم محصورين بالممثلين والمغنين الذين يظهرون على المسرح والشاشات التقليدية، بل يمكن لشاب عادي بكاميرا بسيطة أن يصبح محور اهتمام المجتمع عبر هذه التطبيقات. هذا التحول يثير سؤالًا هامًا: هل نحن أمام ديمقراطية رقمية حقيقية تعبر عن الجميع، أم مجرد آلية تتحكم فيها خوارزميات تعمل وفق أطر موجهة؟

 

المصريون، بتاريخهم الطويل، لديهم القدرة على التأقلم مع التحولات الكبرى. ومع ذلك، يكمن التحدي الحالي في كيفية الاستفادة الحقيقية من الذكاء الاصطناعي. هل يمكن استخدامه كوسيلة للتعلم والنهوض بالمجتمع بدلًا من حصره في الترفيه والاستهلاك السريع؟ وكيف يمكن ضمان بقاء الإنسان في صدارة هذه الثورة التقنية بدلًا من أن يصبح مجرد تابع للآلة؟

 

الذكاء الاصطناعي في مصر ليس مجرد فكرة مستقبلية، بل هو واقع يتشكل أمامنا يومًا بعد يوم. وإذا كانت مصر قد لعبت دورًا رائدًا في تعليم العالم الكتابة منذ آلاف السنين، فهل ستكون قادرة اليوم على وضع بصمتها الخاصة في خريطة الثورة الرقمية؟ من المهم أن يحمل هذا التحول سمات الثقافة المصرية وأن يقدم نموذجًا متميزًا، بدلًا من أن يكون مجرد انعكاس لخبرات وتجارب مستوردة.

التعليقات مغلقة.