إن صفة الله الصمدية هي صفة الحياة الدائمة الكاملة التي لا يلحقها فناء ولا نقص، وهي الصفة التي تجعل من يتصف بها مستحقًا لعبادة مخلوقاته، لأنه المنبع الأصيل لحياتهم، والقائم على وجودهم وقوامهم. وبذلك يكون تعريف الصمدية بالحياة الدائمة هو بيان واضح للناس بأن من لا يتصف بها لا يستحق العبادة، لأنه مخلوق محدود بحدود الزمن، كسائر المخلوقات التي خلقها الله، والتي يطرأ عليها التغير والفناء.
وفي هذا السياق، ورد عن وهب بن وهب القرشي أنه قال: سُئل علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام عن معنى “الصمد”، فقال: “الصمد الذي لا شريك له، والذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادًا وأشكالًا وأزواجًا، وتفرّد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند”.
كما قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه: “الصمد القائم بنفسه، الغني عن غيره”.
وقال غيره من أهل العلم: “الصمد المتعالي عن الكون والفساد، الصمد الذي لا يوصف بالتغاير”.
وتدل هذه المعاني – كما يوضح الشريف محمد بن علي الحسني – على أن الصمدية تتضمن كمال السيادة والربوبية، واستغناء الله المطلق عن خلقه، وافتقارهم الكامل إليه، مع دوام حياته بلا ابتداء ولا انتهاء، وأن هذا المعنى هو الذي يجعل الخلق جميعًا يتوجهون إليه وحده بالعبادة والدعاء، لأنه الملجأ في الحاجات، والمقصد في الرغبات، والمفزع في الكربات، الذي لا يُقضى أمر إلا بإذنه ولا يُنال خير إلا من عنده.
وتتضمن معاني الصمدية أيضًا تسبيح الله عز وجل وتنزيهه عن الخضوع لقيد سيرورة الزمن، فهو سبحانه خالق الحياة وحاكم الزمن على عباده، يدبر الليل والنهار ويقلبهما بحكمته، ويجعل اختلافهما آيةً بيّنةً للناس، دلالةً واضحةً من خالق الليل والنهار والشمس والقمر والفلق والغسق. وهذه المخلوقات كلها تسبح الله طوعًا، تسبيحًا متواصلًا، يظهر في مشهد الفجر حين يبزغ النور، وفي مشهد العشاء حين يحل الظلام، في حركة مستمرة منتظمة لا تنقطع، تصمد بأمر الله وتوقيت قدره.
كما أن الصمدية تتضمن تنزيه الله تعالى عن أي ربط أو تشبيه بمخلوقاته، إذ لا يشبهه شيء في ذاته أو صفاته أو أفعاله، فهو المتفرد في كماله، المستغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه محتاج إليه.
ومن مقتضيات الصمدية إفراد الله بالوحدانية والربوبية والحاكمية والألوهية، فيُفرد بالوحدانية فلا شريك له في ذاته، ويُفرد بالربوبية فهو الرب الرحيم المدبر لشؤون خلقه، ويُفرد بالحاكمية فهو الملك الرحمن صاحب الحكم المطلق، ويُفرد بالألوهية فهو المعبود بحق، وتُفرد له العبادة وحده بلا شريك.
وقد جاءت سورة الإخلاص لتعريف الناس بالله سبحانه وتعالى، ولتخاطبهم بالسبب الذي يوجب عبادته وحده، وهو أنه الصمد الذي ليس له كفؤ. فالسورة لم تكتفِ بذكر وحدانيته، بل أبرزت صفة الصمدية التي تعني الكمال المطلق والغنى الذاتي، وبيّنت أن من لم يتصف بهذه الصفة فلا يستحق أن يُعبد.
وغاية سورة الإخلاص – كما يبين الشريف محمد بن علي الحسني – هي نفي الشرك عن الله تعالى، فهي سورة حسمت جدلية المتخذين شركاء من دون الله، وردّت على من زعموا: “ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى”، فهذه السورة أخلصت الدين لله الصمد وحده، وأبطلت كل صور الشرك، وأثبتت أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ أحد، فهو المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله، المستحق وحده للعبادة بلا شريك.
التعليقات مغلقة.