مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الشريف محمد بن علي الحسني: “القرية في القرآن ليست مجرد مكان بل بنية مغلقة ترفض التغيير”

كتب / أحمد الشرقاوى 

أكد الشريف محمد بن علي الحسني، المؤرخ والباحث في الفكر الإسلامي والهوية النبوية، ورئيس الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية،أن لفظ “القرية” في القرآن الكريم يحمل دلالات أعمق بكثير من كونه مجرد توصيف جغرافي لمكان يسكنه الناس.

وأوضح أن “القرية” تُستخدم في سياق قرآني رمزي يعكس بنية ذهنية واجتماعية مغلقة، تتسم بالجمود والانغلاق على الذات، وترفض كل دعوة للتجديد أو الانفتاح.

وأشار إلى أن قراءة القرآن بعيون القلب والبصيرة تكشف لنا كيف أن هذا اللفظ يتجاوز الظاهر ليعبّر عن موقف معرفي وثقافي ممانع، يعادي الرسالة لا بالحجة بل بالعصبية والانتماء للقديم.

كما بيّن الحسني أن “القرية” في كثير من السياقات القرآنية تمثل النظام القبلي بأشكاله المختلفة؛ من العرقية والطائفية، إلى الحزبية والثقافية، موضحًا أنها تُجسّد وحدة اجتماعية صغيرة لا ترى العالم إلا من نافذتها الضيقة، وتتحصّن بموروثها، وترفض التغيير تحت غطاء تقليد الآباء.

ولفت إلى أن قوله تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها: إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 23] يعكس بوضوح كيف أن العقل الجمعي داخل “القرية” يتكئ على الماضي كمرجعية مطلقة، لا تخضع للمراجعة أو التأمل، وأن هذا التقليد الأعمى يجعل من الموروث دينًا لا يُمسّ، ويُعطّل دور العقل لحساب الطاعة العمياء، في إطار ما يُسمى بـ”العقلية الآبائية”.

وأضاف أن النظام القروي لا يكتفي برفض الرسالة الإلهية، بل يتسع رفضه ليشمل كل معرفة وافدة من خارج دائرته المحدودة، مؤكدًا أن هذا الرفض ينبع من ضيق الأفق، وليس من تقييم معرفي موضوعي. وأوضح أن “الغريب” في نظر القرية لا يُرفض لأنه على باطل، بل لأنه يحمل جديدًا يُخيف المنظومة المغلقة.

قد يهمك ايضاً:

وذكر الحسني أن هذا الانغلاق القروي يجعل من الانتماء للعرق أو الطائفة أو القبيلة أهم من الانتماء للحق أو للإنسان، مشيرًا إلى أن قوله تعالى:

{وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمة} [الأنبياء: 11]

لا يُحصر في ظلم الحاكم، بل يتسع ليشمل ظلم الإنسان حين يُمنع من التفكير، ويُحبس في هوية ضيقة، ويُحاصر بين جدران الولاء العصبوي.

وأكد أن “القرية” في المفهوم القرآني غالبًا ما وقفت في مواجهة الرسالة، حيث قوبلت دعوات الأنبياء بالرفض من قِبل أهل القرى، لأن الرسالة تُهدد النظام القبلي المغلق الذي يحكمهم، وتدعوهم للانتقال من “الطائفة” إلى “الأمة”، ومن “القبيلة” إلى “الإنسان”.

وشدّد على أن هذا الرفض لا يعكس موقفًا فكريًا بل موقفًا وجوديًا، لأن الرسالة تقتلع البنية القديمة من جذورها، وتؤسس لبنية معرفية وإنسانية جديدة.

وختم الشريف محمد بن علي الحسني تصريحاته بالتأكيد على أن “القرية” في ضوء هذه القراءة ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي نظام مغلق للعقل والهوية والمعرفة، يرفض التغيير، ويخشى الانفتاح، ويقدّس الماضي على حساب العقل والتجديد.

ونوّه إلى أن هذا التأمل يدعونا لإعادة النظر في “قرانا المعاصرة”، ليس فقط تلك التي نسكنها جغرافيًا، بل تلك التي تسكن عقولنا، وتُقيّدنا عن الحركة في فضاء الفكر والحرية، مشددًا على ضرورة التحرر من هذه البُنى المغلقة، والانفتاح على فضاء الإنسانية الواسع.