رحاب أحمد :
مع دخول موسم الصيف، يبدأ آلاف الأطفال في الجري وراء حلم الانضمام إلى أحد الأندية الكبرى، بينما يحمل الأهالي طموحات وأحلامًا عريضة، قد تتحطم أحيانًا على أبواب “الاختبارات”.
لكن ما الذي يحدث خلف أسوار الملاعب؟ هل يتم اختيار المواهب بإنصاف؟ أم أن الواسطة والمال أصبحا جواز المرور الوحيد؟
الأندية الكبري حلم الأطفال
بداية القصة تبدأ باستمارة الاختبار. مبلغ بسيط في بعض الأندية الجماهيرية يتراوح بين 100 و300 جنيه، لكنه قد يتخطى الـ500 جنيه في أندية أخرى أو أكاديميات خاصة. آلاف الأطفال يتقدمون يوميًا، ما يعني أن بعض الأندية تحقق أرباحًا ضخمة من موسم “الاختبارات”، دون شفافية حقيقية حول مصير هذه الأموال.
أحد أولياء الأمور قال لنا: “دفعنا 400 جنيه، والولد نزل الملعب 5 دقايق بس، ما لمسش الكورة واتقاله شكراً!”
اختبارات شكلية؟
تتنوع طرق التقييم من نادٍ لآخر، لكن الشكاوى متشابهة. بعض المدربين لا يمنحون الأطفال فرصة حقيقية للظهور، ويتم الاكتفاء بنظرة سريعة دون اختبار فعلي للمهارات.
الواسطة والمجاملات….
العديد من الأهالي واللاعبين السابقين أكدوا لنا أن “الواسطة” تلعب دورًا أساسيًا في اختبارات بعض الأندية، وأن هناك حالات تم قبولها رغم ضعف المستوى الفني، فقط لأن “الحد اتوصى عليه”.
مدرب في أحد أندية الدوري الممتاز – فضّل عدم ذكر اسمه – قال: “أحيانًا بنتفاجئ بأسماء مقبولة من فوق، إحنا ما شفناهمش في الملعب أصلاً!”
“نبحث عن الأفضل”
في محاولة للحصول على وجهة نظر الأندية، تواصلنا مع مسؤول فني في أحد أندية الدوري الممتاز، والذي قال:
“نستقبل أعدادًا ضخمة يوميًا، ومن الطبيعي أن يُرفض أغلب المتقدمين. نحن نبحث عن موهبة حقيقية، وليس كل من يتقدم يصلح للاحتراف.”
وأضاف: “الرسوم تساعدنا على تنظيم العملية، من أجور المدربين إلى تجهيزات الملاعب.”
أندية جماهيرية وشركات وأكاديميات….
الأندية الجماهيرية مثل الأهلي والزمالك تتحمّل ضغطًا جماهيريًا كبيرًا، وتُتهم دائمًا بتفضيل أبناء اللاعبين أو العاملين.
أندية الشركات كإنبي وبتروجت تُعرف بتنظيم إداري أفضل، وفرص أكبر للمواهب غير المعروفة.
الأكاديميات الخاصة تمنح فرصًا أكبر لكن بتكلفة مادية عالية، وفيها اختلاط بين الربح واحتراف التدريب.
“حين تتحول الأكاديميات إلى استثمار.. من يصنع اللاعب؟ ومن يدفنه؟”
كيف دمرت الأندية الاستثمارية أحلام لاعبين موهوبين؟
في السنوات الأخيرة، زادت أعداد الأندية الاستثمارية والأكاديميات الخاصة، واللي هدفها الأساسي – في كثير من الأحيان – بيكون الربح قبل صناعة النجوم. الشكل الخارجي جذاب: ملاعب نجيل صناعي، زي موحد، مدربين بلغة أجنبية. لكن الواقع مؤلم لكثير من اللاعبين.
_ اللعب للأغنى مش للأفضل
بعض الأكاديميات بتعتمد على إن اللاعب يدفع اشتراك شهري كبير، فالأولوية بتكون لمن يقدر يدفع أكتر، مش لمن عنده موهبة أكتر.
النتيجة؟
- لاعيبة موهوبة بتتظلم ومبتلعبش.
لاعيبة أقل بتلعب وتتحط في الصورة، بس مفيش مستوى حقيقي.
_ غياب المسار الحقيقي للتطور
- في أكاديميات كتير مفيهاش أي ربط مع أندية رسمية، يعني اللاعب يفضل يتمرن سنين، من غير أي فرصة للظهور في بطولات أو ينضم لنادي معتمد.
_مدربين غير مؤهلين
- بعض الأكاديميات بتشغّل مدربين بلا شهادات معتمدة، وده بيأثر على تكوين اللاعب فنيًا وتكتيكيًا من الأساس.
وفي حالات كتير، بيسيبوا الولد يتمرن غلط، أو يضغطوا عليه بدنيًا، لحد ما يتعرض لإصابة أو يفقد الشغف.
_ الإتجار بالأحلام
- بيتم وعد الأسر بـ”منح احترافية” أو “فرص سفر لأوروبا”، مقابل مصاريف إضافية، وبتطلع أوهام في الآخر.
الأهالي بيدفعوا الآلاف، والولد بيرجع بعد كام شهر بلا مستوى ولا فرصة.
_ عقود احتكار للمواهب
- في أكاديميات بتمضي اللاعبين الناشئين على عقود، بتمنعهم من الانتقال لأي نادٍ تاني إلا بموافقة الأكاديمية، ودي مشكلة قانونية وأخلاقية كبيرة.
شهادات من الواقع
“ابني كان متفوق جدًا، بس المدرب في الأكاديمية فضل يلعب ولاد تانيين بيدفعوا أكتر.. ففقد الحماس وبطل كورة” – ولي أمر.
“كان عندي فرصة ألعب في نادي، بس الأكاديمية رفضت تسيبني إلا لما أدفع 20 ألف جنيه مقابل الاستغناء!” – لاعب ناشئ سابق.
“انا كنت بلعب في نادي مشهور واللي لاحظته ان النادي دا ومعظم الاندية الكبيرة بتدور علي الفلوس بس مش عاوزه لاعيبة، عاملة اختبارات علشان تجمع فلوس، و روحت نادي تاني نزلت فيه اختبارات مش اختبارات عامة، لعبت معاهم ماتش و تدريبات، قالولي انت تمام بس مش هتتقبل الا لو دفعت 25000 جنية، ف اللي هو انا واحد لاعيب وبعرف العب كويس مش اي كلام و دا بشهادتهم تبقي نفسيتي عاملة ازاي بعد الكلام دا!!!! دي بقا الحاجه اللي بتخلي اللاعيبة الشباب تقعد في البيت ومتفكرش في الكورة تاني وتخليهم يفكروا في فرص برا بلدهم” _لاعب ناشئ
“روحت أختبارات في نادي مشهور والمفروض انه نادي ليه مستقبل وفيه لاعيبة كويسه، اتقسمنا و اول ما نزلت الملعب الولد اللي جمبي راح سلم علي الكابتن اللي بيقيمنا و قاله ازيك ياعمو(X) بابا قالي اول ما تدخل الملعب روح سلم علي عمو، قاله تمام ياحبيبي و فعلا سجل اسم الولد و دا كان من الولاد اللي اختاروهم مع العلم احنا مكملناش 10 دقايق فالملعب فـ علي اي أساس بيتم تقييمنا دا غير ان الكباتن مكانوش باصيين لينا اساسا”_ لاعب ناشئ
” الواسطة أحيانًا بتختصر طريق النجاح لاكن في بعض الأحيان الأخري بتسرق من شخص مكانه و تمنحه لشخص أخر قد يستحق و قد لا”
الحلم مشروع… لكن من يحميه؟
_في بلد تعشق كرة القدم، يُفترض أن تكون الفرص متاحة لكل من يملك موهبة، لا لمن يملك المال أو الواسطة.
ومع تضخم بيزنس الأختبارات والأكاديميات، أصبح الحلم في مهب الريح، وتحوّل من مشروع وطني لصناعة الأبطال، إلي سوق مفتوح للأستغلال.
الطفل الذي يدخل ملعب الاختبار لا يحتاج فقط إلي حذاء رياضي جيد، بل إلي منظومة تحميه، و مدرب يُنصفه، و فرص عادلة تضعه في مكانه الحقيقي.
يبقي السؤال:
هل ننتظر جيلًا جديدًا يُكتشف صدفة، أم نبني نظامًا يُنصف كل موهبة مهما كانت خلفيتها؟