كتب- د.صبري زمزم:
عندما تطالع عنوان هذه الرواية(أصداف ورمال) فلا نظنن أن كل الأصداف مليئة باللؤلؤ فربما لا تجد فى أصدافك سوى رمال … وهذا ما ستتأكد منه عندما تقرأ آخر صفحة من هذه الرواية المشوقة الممتعة، المليئة بالأحداث والأسماء و التواريخ والمناسبات سواء العائلية أو الدينية فى جو أسرى عائلى، فهذه رواية من طراز خاص، سواء من حيث الجو أو الموضوع، أو طريقة السرد، التي نسجت كالمنمنمات التي تتراص بجوار بعضها البعض لتعطى فى النهاية صورة متكاملة للوحة أرادت د. هدى جلبي أن ترسمها عبر الرواية من أول كلمة حتى آخر كلمة ، على لسان الراوية، والتى هي بطلة الرواية ( مليكة) تلك المرأة الحكاءة بطبيعتها الأنثوية، فأعظم راويات الحكايات كن نساء مثل أمهاتنا وجداتنا، وأشهرهن على إطلاق شهرزاد البطلة الأولى والراوية لألف ليله وليلة، وكما حكت شهرزاد عن كل أبطال حكايتها الأمتع عبر التاريخ روت مليكة عن كل أبطال ” أصداف ورمال ” وهم كثر، رغم أنهم جميعا يمثلون عائلة واحدة إلا أنها جذبتنا إلى هذا الجو العائلي الذي تعيش فيه أسرنا جميعا، وتدخل فى تفاصيل هذه العائلة الكبيرة العدد المتعددة الفروع المتشابكة العلاقات المثيرة الحكايات.
فحكت لنا مليكة عن نفسها، وعن زوجها “شهدی” و ابنها “شریف” و ابنتها “شروق ” ثم عادت فلاش لتحكى لنا عن أمها وأبيها، وكيف عاشا فى معاناة متكررة نتيجة كثرة الإنجاب خصوصا بعد تخطى أمها سن الأربعين، وفي كل مرة تحزن عندما تفاجأ بأنها حامل، وتكون صدمة هائلة سرعان ما تحاول جاهدة التخلص من الجنين بشتى الصور والحيل الممكنة، ولكن فى النهاية تستسلم، ويأتى الوليد بعد الوليد، و تتكرر مأساتها عدة مرات، وفى كل مرة تلقى أمها باللوم على زوجها فتخاصمه طوال فترة الحمل وتهجره إلى حجرة بناتها، وفي الحمل الأخير بعد أن تخطت الخامسة والأربعين تذهب إلى طبيب للإجهاض، ولكن قبل أن يتم ذلك يقبض عليه عندما وجدوا إحدى ضحاياه ملقاة في في ترعة، بعد أن ماتت أثناء إجرائه عملية إجهاض فاشلة لها، فكرهت أمها جنينها الذي حاولت بشتى الطرق التخلص منه، ولكنه وفد إلى الحياة أخيرا، فإذا هو عصام آخر العنقود الأخ الأصغر لمليكة وأحد أهم أبطال الرواية، إذ تدور حوله وحول زوجته علية معظم الحكايات التي تسردها مليكة، مرجعة كل السمات الكريهة فى شخصيته وسلوكه المعوج معها إلى كراهية أمه له أثناء الحمل، فقد أوردت على لسان أحد علماء النفس أن الجنين يتأثر إيجابيا وسلبيا بعاطفة أمه تجاهه، فتوقعت مليكة أن يولد الجنين مشوها أو ناقص الخلقة، ولكن اندهشت عندما وجدته عكس ذلك، فالمولود ذكر جميل الخلقة، ولكنها طوال الرواية تشكو من اعوجاج أخلاقه وسوء طويته وإظهاره عكس ما يبطن، فأرجعت ذلك إلى كراهية أمه له أثناء الحمل فبدلا من أن يولد مشوه الخلقة إذا به يولد مشوه الطباع ومعوج الأخلاق، وهو ما فتئت تدلل عليه عبر عشرات المواقف، التي تنطوي على سمات الخداع والغش بل والنصب وسوء الطوية، رغم أنه يدعى المثالية، ويدعى فهم كل شىء وأى شيء، ومجادلة غيره كثيرا ليقنعه بأنه دائما على صواب، والأمر لم يقتصر لم عليه فقط بل امتد إلى “زوجه علية” كما وصفتها وأصرت على ذلك وهو وصف صحيح لغويا، وعلية هذه تشبه زوجها عصام في كثير من الطباع السيئة خصوصا النرجسية ونصب المكائد وتدبير المؤامرات، والعجيب في الأمر أنها وصفتهما بأوصاف من نوع البقة الكريهة الرائحة، والخنفساء، ويظل القارئ يتهم الراوية مليكة بالظلم وسوء الظن، ليس بهما فقط بل بابن اختها الراحلة أيضا الذى يستغل موت أمه التي تحبها لينصب عليها بمساعدة علية وعصام للحصول منها على أموال كمساعدة، مرة من أجل السفر إلى الخارج للعمل كمندوب مبيعات، ومرة فى سداد ديونه، ومرة في مساعدته على العودة للوطن يعد فشله فى الحصول على عمل، كل هذا يظنه القارئ تحاملا منها، حتى يتبين له فى النهاية صدق حدسها عندما تسقط كل الأقنعة عن الوجوه لنسلم لها بوجهة نظرها من البداية إلى النهاية، خصوصا عند ما نكتشف فى النهاية، مدى شبكة الأكاذيب التي صنعها أخوها عصام حول عمله كمقاول تشطيبات، وعمل زوجته معه كمهندسة ديكور، فضلا عن ادعائه الزائف بالسلفية والتدين وأنه حول ابنه علاء من المدرسة التجريبية إلى المعهد الأزهرى، ويزعم أنه يحصل على أعلى الدرجات، ويحفظ معظم أجزاء القرآن وتقدمه لخطبة ابنة مليكة لابنه الذي ما زال فى الإعدادي، ثم ادعاء زوجته علية أنها تعمل مدرسة علما بأنه لا يوجد تكليف لخريجي كليتها للعمل بالتربية والتعليم منذ زمن، بل ادعت أنها قدمت للإعارة رغم أن الشروط لا تنطبق عليها، وفى النهاية تسقط كل الأقنعة الزائفة حيث إن أخاها عصام قام بالنصب على آخرين وأخذ منهم أموالا بزعم أنه يبني عمارة على خلاف الحقيقة، وتكتشتف أن ابنه الصامت دوما والذي كلما ذهبت لتزورهم لا تجده فى المنزل بحجة أنه عند جدته لأمه، لتكتشف بعد سنوات طويلة أن صمته الدائم إنما لأنه من ذوى الهمم وأنه فى مدرسة تربية فكرية وليس تجريبية ولا أزهرية، وتكتشف كذب كل الحكايات التي كانت تحكيها علية في محاولة منها لتحصل منها على قرض حسن، وتكتشف تآمرها مع ابن أختها عليها للحصول منها على أموال كمساعدة، وتبين لها أنه لم يسافر ولم يغادر القاهرة رغم زعمه أنه بالخارج ويحتاج المساعدة للعودة إلى الوطن وسداد ما عليه من ديون.
وعندما تكتشف ذلك تفضح علية لدى أخوتها، وتقطع علاقتها بابن أختها، وتلقى باللوم على أخيها لإخفائه ما في ابنه وابنته من إعاقة، بينما لو صرح لهم بذلك ربما كانوا قد أمدوا له يد العون والمساعدة، ولتبدلت المحنة إلى منحة.
فى النهاية يتأكد لها أنها لم تجد فى الأصداف إلا الرمال وأن ظنونها كانت في موضعها.
اعتمدت د.هدى جلبي في الرواية على السرد فقط وكان الحوار نادرا،
وجاء السرد كله بالفصحى البسيطة، الصحيحة غالبا وإن كانت بعض الكلمات بها أخطاء نحوية.
وعابها التكرار في بعض العبارات والأوصاف خصوصا ما يتعلق بأخيها عصام وزوجه علية، ومحاولتها توثيق الحكايات بذكر تاريخ اليوم بالتفصيل، واستخدام الاسم الثلاثي لأكثر من شخصية وكأنها رواية توثيقية.
ولكن يذكر لها نجاحها في رسم صورة للحياة الاجتماعية داخل الأسر المصرية وداخل العائلة الكبيرة المتشابكة العلاقات الكثيرة الأفراد والممتدة الفروع، من خلال لمة العيلة في المناسبات المختلفة كالأعياد ورمضان وأعياد الميلاد والعقيقة، وما فيها من بهجة عائلية إنها حقا رواية اجتماعية مصرية.
والدكتورة هدى جلبي أديبة وكاتبة مصرية عملت أستاذة مساعدة في الأدب الإنجليزي بكلية التربية جامعة الملك خالد، وبكلية الآداب جامعة بيشة بالمملكة العربية السعودية. وشغلت منصب رئيسة قسم اللغة الإنجليزية لمدة تسع سنوات ثم شغلت موقع مشرفة اللغة الإنجليزية لمدة خمس سنوات. من مواليد محافظة الدقهلية، وتخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة المنصورة. حصلت على الدكتوراه في اللغة الإنجليزية وآدابها في كلية الآداب جامعة عين شمس . أصدرت إضافة إلى أصداف ورمال مجموعة قصصية في عام 2022 تحت عنوان : غدير الراوي : لكنها حياة و مجموعة قصصية ثانية في نفس العام بعنوان : رشا بين عالمين. وصدرت لها مجموعة قصصية ثالثة عام 2023 بعنوان : کسور وجسور. وصدر لها ديوان شعر بعنوان : إليكم آخر أشعاري عام ٢٠٢٤.