مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب : الأنفلات الأخلاقي

 

قد يهمك ايضاً:

عيد العمال هو عيدنا جميعًا

معرض مسقط الدولي للكتاب …التنوع الثقافي ثراء للحضارات

لقد أثارت قضية التحرش للطفل ياسين تلك الواقعة غضب الكثير من المجتمع المصري ورواد السوشيال ميديا حيث علق الكثيرون على الواقعة أن هذه الواقعة تفوق ما جاء في مسلسل “لام شمسية” مطالبين بمحاسبة إدارة المدرسة ومعاقبتهم لتسترهم علي جرم المتهم وأن حكم المؤبد ليس كافيا عليه بلا الإعدام ليكون عبره لمن يعتبر وسحب تراخيص هذه المدرسة وغلقها نظراً للانفلات الأخلاقي بها
لقد شعرنا بأن منظومة القيم والأخلاق المصرية أصابها مكروه يعكس صدمة جراء التردي الأخلاقي أو “الانحدار السلوكي” أو “الانهيار القيمي” ماذا حدث للأخلاق؟
ما حدث للطفل ياسين مسألة تتعلق بترد أخلاقي وتدهور قيمي
«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا» أبيات شهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي تؤكد أن التمسك بالأخلاق سبب بقاء واستقرار الدول وتقدمها وازدهارها فالأمم تضعف إذا ما تراجعت فيها الأخلاق وتهاوت القيم والمبادئ الراسخة وأن التدهور الأخلاقي له نتائج وخيمة على مستقبل الوطن تتمثل فى انتشار التحرش الجنسي والكذب والخداع وعدم الانتماء الوطنى كما أنه يتسبب فى عرقلة المجتمع ومسيرة التنمية والبناء وغيرها من السلبيات مشهد مفزع ومؤلم أدمى قلوب المجتمع المصري وأشعل نيران الغضب بداخلنا إنها جريمة أخلاقية واجتماعية بكل ما تحمل الكلمة من معان تلك التي شهدتها إحدى المدارس الدولية
إنها لعلامة صادمة دامغة من علامات الإنحدار الأخلاقي الساقط والإنحطاط الإجتماعي الماقت تلك التي ما إنفكت تتعاظم و تثبت عروقها في حقلنا التربوي المتهالك المهمل التعيس
المدرسة التي من المفروض والواجب أن تكون منارة علم وأخلاق وبناء تحولت إلى بِطاح سائبة فوضوية خطرة تسودها جميع أشكال الانحدار الأخلاقي والعنف وسوء الأدب حاشاكم وإنعدام الإحترام للقيم التربوية الثابتة التي بدونها لا يمكن أن نتحدث عن مدرسة ومعرفة وتعليم التي أصبح المدرس فيها منعدم الأخلاق ويهان الطالب ويعنف من طرف بعض المدرسين مما أخجل من تسميتها بالمعلم بل أرفض ذلك قطعا و أطالب بالقضاء نهائيا على هذا “الفيروس” الأخلاقي القاتل الذي بدأ يتفشّى في جسم هذه المؤسّسات السامية “المقدّسة” والضامنة الأهم لسلامة و إزدهار ورقي بلادنا وقادم أجيالنا
يجب علينا اليوم قبل الغد دراسة هذا الأمر الخطير وإيجاد الحلول المناسبة الناجعة لكي تسترجع مدرستنا عافيّتها ووقارها ومكانتها الطبيعية ومهمّتعا الأصلية في تعليم وتربية و إعداد ما يجب إعداده لبناء المستقبل الذي نرجوه جميعا لشعبنا و لمصرنا منارة العلم المتعلمة الغالية الخالدة
وإذا لم نفعل ذلك و لم نسرع في تصحيح و تصليح هذا الخلل التربوي المدمر الفاسد المتنامي فلا خير فينا حكاما ومحكومين و أولياء وتلاميذ و مدرسين ولا في ثورتنا و دستورنا وديمقراطيّتنا التي لن تفيدنا في شئ
ففى الآونة الأخيرة شهدت مصر الكثير من مظاهر «الانفلات الأخلاقي» فمنا من يسمع عن اغتصاب طفل واغتصاب النساء ومنا من يسمع عن أب يقتل أولاده وابن ينهى حياة والده أو والدته لتعاطى المخدرات أخ يفتك بشقيقه وزوجة تقتل زوجها بمعاونة عشيقها ومدرسين يتحرشون بالطلابة ويعتدون عليهم ناهيك عن جرائم الأخري للعامه التى باتت ضيفاً ثقيلا على حياتنا ولا يكاد أحد فى مجتمعنا لا يشكو من ارتفاع معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام وغيرها من المظاهر الأخرى التى أسقطت الأخلاق فى دوامة الفوضى الخلاقة
فما أسباب هذه الحالة من التردى الخلقي؟ وكيف يمكن إنقاذ المجتمع من هذا الخطر؟ فهل ما نعانيه اليوم نتاج رواسب حقبة طويلة فجرتها ثورة أظهرت الوجه الأخلاقى المظلم للـشـارع المـصـري؟
أم هى انعكاس لغياب المـؤسـسـات التعليمية والدينية والتربوية والتنشئة الأسرية السليمة والتأثير السيئ لوسائل الإعلام والسوشيال ميديا والسينما؟
الأسباب والآثار المتربة على هذا الانفلات الأخلاقى على المدى القريب والبعيد
ما أحوجنا اليوم دون غيره إلى أخلاق الإسلام فنمارسها سلوكاً في الحياة في زمن طغت فيه المادة وضعفت فيه القيم وفهمت على غير مقصدها وغاياتها وتنافس الكثير من أبناء هذه الأمة على الدنيا ودب الصراع بينهم من أجل نعمة زائلة أو لذة عابرة أو هوى متبع
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى التقاطع والتدابر والتحاسد على أبسط الأمور وأتفه الأسباب ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى جرأة كثير من الناس على الدماء والأموال والأعراض دون وجه حق أو مسوِغ من شرع أو قانون وأصبحت صحف الأخبار والقنوات التلفزيونية والفضائية العالمية لا يتصدر أخبارها في كل يوم إلا أخبار دمائنا المسفوكة وأعداد قتلانا وضحايانا وكوارثنا ومشاكلنا وفي كل أقطارنا ودولنا في عالمنا الإسلامي والعربي الفسيح
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته ونحن نرى قطيعة الرحم وضعف البر والصلة وانعدام النصيحة وانتزاع الرحمة والحب والتآلف بين كثير من الناس والأبناء والآباء والجيران والإخوة وبين أفراد المجتمع الواحد ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته لتستقيم أمورنا وتنصلح أحوالنا وتضبط تصرفاتنا ويحسن أسلامنا ويكتمل إيماننا فلا ينفع إيمان أو يقبل عمل أو ترفع عبادة بدون أخلاق تحكم السلوك وتوجه التصرفات
لقد أصبح الإنسان والمجتمع سجين غرائزه باحثاً عن اللذة والمتعة بأي وسيلة وسقوط نحو الهاوية بدون توقف أو ردع
أصبحت النزعة العدوانية سائدة كخطاب داخل المجتمع خطاب العنف والدم رائج بكثرة بسبب أو بدونه تعبير عن رفض الواقع المعيشي أو الرأي المخالف بسلاح العنف اللفظي والمادي

أصبحنا نشاهد جرائم بشعة في وضح النهار وأعقاب الليل يليه اعتداءات سافرة على الأطفال فيصب أقارب الضحية جام غضبهم على المجتمع الذي يعيش فيه وأصبح العنف هو السائد في هذا المجتمع
للأسف المجتمع أصبح مسرح كبير لكل المظاهر السلبية الضاربة لكل القيم النبيلة عرض الحائط لا الحب ظل مدرسة العشاق ولا الصداقة أصبحت رمز للوفاء
غلبت الانتهازية على طباع البشر المصلحة الذاتية لسيطرة الغزيرة على شخصية الفرد وطمس لمعالم العقلانية في سلوكه الحياتي اليومي
المصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد عرفت تحطيم وتفكيك لها ألا وهي العائلة فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية
صورة سيئة الإخراج للمدرسة وللأسرة داخل المجتمع تفكك معنوي ساهمت فيه بصفة كبيرة الأنفلات الأخلاقي كما شهدنا تحطم لصورة المدرس الذي كان في الماضي قدوة للطلاب وصورة الأب التاريخية
فلم يعد المدرس والأب الشخص القوي والملهم لصغاره بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد البقاء للأقوى وأي قوة قوة تحطيم الأفضل قوة تمجيد المغتصب والسارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة النبوة إنما الأمم أخلاق إن ذهبت ذهبوا يوم بعد يوم يزداد الوضع قتامة وبشاعة وأصبحنا نعرف انقلاب قيمي وأخلاقي ساهم في تدهور التعليم مساهمة فعالة للحالة الاجتماعية بالإضافة لابتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي
لكن للأسف كان للعولمة دور بارز في تحطيم الدين والفكر الفلسفي لصالح مناهج جديدة أصبحت تخاطب غريزة الفرد