مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب : الوطنية للفقراء

 

قد يهمك ايضاً:

أن نعم الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء لأن الفقير يعتنق حب الوطن ولكنه لا يجد فيه حتى أبسط شروط الحياة وغباءه أنه يكون مستعدا للدفاع عن هذا الوطن ويظل خاضعا لما يفرضه عليه هذا الوطن دون محاولة منه للخروج وإنتزاع حقوقه مهما تطلب الأمر لأن المطالبة بالحقوق بمثابة حق مشروع والسكوت عن ذلك بمثابة غباء وذلك هو الأمر الذي سيجعل الوطن في يد الأغنياء وتصبح الوطنية حملا ثقيلا على أولئك الفقراء الذين يفتخرون بوطنيتهم
الفقر في مصر وفي مجتمعات العالم الثالث يصبح منطق الحياة خاضعا لمجموعة من الشروط ومجموعة من المحددات كل ذلك يجعل الحياة تسير وفق ما يجب أن يكون وليس وفق ما ينبغي أن يكون ولقد اضطرت هذه المجتمعات إلى تقبل أوضاعها بكل رحب وخضوع فلم تعد مسألة المطالبة بحقوقهم تشغل بالهم لأنهم فقدوا القدرة على ذلك بسبب الخوف الذي تم زرعه فيهم بالإضافة إلى الجهل الذي تم ترسيخه فيهم فبات الجهل رفيقا لخوفهم وأصبحت الجرأة بعيدة عن متناولهم ففقدوا بذلك وجودهم بمعناها العام لأن طبيعة الحياة والتي تدفعهم دوما إلى المعاناة تزيد من حدة ما هم فيهم ولا تساهم في انتشالهم من مرارتهم ويتحملون القسط الأكبر مما هم فيه لأنهم استسلموا وقرروا بالإجماع أن يعتنقوا الخضوع
لقد تم زرع الخوف والجهل في المجتمع إلى درجة فقد فيها القدرة على ممارسة الجرأة والتساؤل عن مصيره وحياته فبات محكوما بالظروف التي يعيش فيها وأصبح الأفراد مضطرين إلى تقبل حياتهم تلك رغما عنهم والأحرى من ذلك أنهم مطالبون بحب وطنهم ويجب أن يكونوا مستعدين للدفاع عنه إذا اقتضى الأمر ذلك هذا واقع مجتمعاتنا حيث أصبح حب الوطن من الإيمان وأصبحت الوطنية عقيدة يجب أن يتبناها أبناء الوطن ولقد نجحت هذه الإستراتيجية التي تم تركيبها في السيطرة على الشعوب حيث نلاحظ دوما أن الشعوب يعشقون أوطانهم حتى النخاع ويتشبثون ويفتخرون بوطنيتهم رغم الظروف المزرية التي يعيشون فيها
هل يعقل أن يفتخر الأفراد بوطن لا توجد فيه حتى أبسط شروط الحياة؟ في مجتمعاتنا يصبح الجواب إيجابا لأن الأفراد لا يملكون من الجرأة ما يكفي للمطالبة بالحقوق وبشروط الحياة ولا يملكون من الوعي ما يكفي لكي يعيدوا النظر في طبيعة حياتهم لا يملكون تلك الجرأة بسبب الخوف الذي تم ترسيخه فيهم وبسبب الخضوع الذي نشأوا عليه ومن ثم بات مستبعدا أن يتخلى هؤلاء الأفراد عن وطنهم رغم أن هذا الوطن لا يضمن لهم ما يمكن أن يسعفهم في ذلك العشق الذي يكنونه له هؤلاء الأفراد يحبون وطنهم لا لشيء إلا لأنه وطنهم أما أن يحبوه لما يفعله هذا الوطن من أجلهم فتلك مسألة أخرى تلك مسألة لا تناسب تفكيرهم ربما هذا الحب الذي يكنه هؤلاء الأفراد لوطنهم حب خالص لأنهم يحبونه وكفى وأن يكون هذا الحب متبادلا بين الوطن وأبنائه لكن لما كان ذلك مستحيلا وأصبحنا أمام حب من طرف واحد فيجب أن نعيد النظر في ذلك الحب وأن نتساءل عن حقيقته فقد يكون حبا ناتجا عن الخضوع والخوف الذي تم ترسيخه في هؤلاء الأفراد ولعله كذلك لأن هذا هو المنطق الذي تسير به الأوطان في مجتمعات العالم الثالث حيث تسعى جاهدة لزرع الخوف والخضوع والجهل في أبنائها كل ذلك من أجل أن يتحمل هؤلاء الأفراد المعاناة في وطنهم رغم أن بإمكان وطنهم أن يضمن لهم حياة كريمة لما يتوفر فيه من خيرات وثروات ولكن في نظر المسؤولين ليس من الطبيعي أن يتم تقسيم الثروات بذلك الشكل الذي سيصبح فيه المحكومون متساوين مع المسؤولين عن الوطن هذا منطق مرفوض ويصبح المنطق لديهم هو أن الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء والأحرى من ذلك أن الوطنية للأغبياء الذين قبلوا ما هم فيه والذين ينددون بحب وطنهم أينما حلوا وارتحلوا
نعم الوطن للأغنياء والوطنية للأغبياء لأنه من الغباء أن يظل خاضعا لما يفرضه هذا الوطن دون محاولة منه للخروج وانتزاع حقوقه مهما تطلب الأمر لأن المطالبة بالحقوق بمثابة حق مشروع والسكوت عن ذلك بمثابة غباء وذلك هو الأمر الذي سيجعل الوطن في يد الأغنياء وتصبح الوطنية حملا ثقيلا على أولئك الأغبياء الذين يفتخرون بوطنيتهم ولم يعد بالإمكان تحمل الظلم ولم يعد بالإمكان الخضوع والخوف لأن هذا العذاب الذي يعيش فيه الأفراد قد يكون أسوأ من ذلك العذاب الذي يعدونهم به في حالة لم يطيعوا أولياء أمورهم هذا إن لم يكن ذلك العذاب مجرد وهم يخيفونهم به من أجل أن يظلوا خاضعين كما أن هذا العذاب قد يكون أسوأ من ذلك الذي سينالونه لو تجرأوا وطالبوا بحقوقهم وبحياة كريمة تغنيهم عن هذه المعاناة التي تجعل منهم فقراء دائما بينما تجعل الأغنياء يزدادون غنى
إذا كان الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء فيجب تغيير هذه المقولة وليتمكن الفقراء من أخد نصيبهم من هذا الوطن الذي فقدوا حياتهم فيه وهو لم يفعل حيالهم سوى دفعهم إلى المعاناة
لقد بات الوطن ورقة رابحة في يد الأغنياء يفعلون بها ما يشاؤون ويزدادون بها غنى وفي المقابل أصبحت الوطنية ورقة خاسرة في يد الفقراء ولعلها تدفعهم إلى حضيض الفقر وتجعل منهم أغبياء بسبب خوفهم وخضوعهم وتشبتهم بتلك الوطنية التي لا تسمن من فقر ولا تغني من جهل وتجعلهم محكومين بالفقر إلى الأبد لكن هذه الأمور لم تعد صالحة في ظل هذه المعاناة التي تنمو وتتكاثر بينما الثرواث موجودة ولا يدري إليها الفقراء سبيلا كما أن حياتهم لا تتوفر على أبسط شروط الحياة أما الخدمات التي يستحقونها في ممارسة حياتهم من صحة وتعليم وشغل فذلك أمر لم يعد بالإمكان تحقيقه لأن المطالبة به أصبح من الممنوعات كل تلك التفاصيل تجعل حياة الفقراء مريرة إلى أقصى حد وبالتالي يجب تغيير الوضع يجب إعادة النظر في حياة هؤلاء الأفراد هؤلاء الأفراد هم أموات على قيد الحياة لأن حياتهم لا تساير معنى الحياة في كل جوانبها كما يجب أن ندع الوطنية للأغنياء ليتحملوها وهم الأجدر بذلك لأنهم اعتادوا نهب ثرواث الوطن واعتادوا حياة كريمة في هذا الوطن يجب أن تتغير الموازين أو على الأقل أن تعتدل لنرى هل بإمكان الأغنياء أن يعترفوا بأن شغلهم الشاغل لم يكن أكثر من عيش حياة كريمة وأن الوطن لا يهمهم أمره بل ما يهمهم هو ثرواثه وفي المقابل يجب أن يأخذ الفقراء نصيبهم من هذا الوطن يجب أن يجدوا السبيل إلى حياة كريمة تغنيهم من شر المعاناة التي ظلت لصيقة بهم منذ أن اتفقوا على الخوف والخضوع يجب أن يعيدوا النظر فيما هم فيه لكي يستطيعوا أن يجدوا إلى وطنهم سبيلا أو أن يفسح هذا الوطن الطريق أمامهم ليبحثوا لأنفسهم عن أوطان يمكن أن يعيشوا فيها كإنسان فإذا كان الوطن بلا شيء فالموت على شيء أفضل