مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

امنة الدبش تكتب المرأة الفلسطينية تصنع تاريخها بصفحات من الثبات والصمود

بقلم/ امنة الدبش

صحفية وناشطة نسوية

ساهمت المرأة الفلسطينية في صنع تاريخها مثلما ساهم التاريخ في صنعها من خلال أحداثه الجسام أثبتت بتحديها وصلابتها وبنضالها ودمائها الطاهرة أروع ملاحم الصمود والتحدي والتضحية والفداء وأنجبت أبطالاً وقـوافل من الشجعان دفعتهم إلى ساحات المجد والخلود ليرتقوا أقماراً إلى العلياء وأهدتهم للحرية شهداءً ليسطروا بدمائهم الزكية ثرى فلسطين.

يحتفل العالم أجمع بيوم خاص بالمرأة وهو الثامن من مارس/آذار ” اليوم العالمي للمرأة ” يرجع سبب اختيار هذا التاريخ الى ذكرى حراك عمالي ومسيرة احتجاجية خرجت فيها 15 ألف امرأة في عام 1908م إلى شوارع مدينة نيويورك الأمريكية للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات ، وتم اعتماد التاريخ عالمياً من قبل الامم المتحدة عام 1975م وتقام الاحتفالات كل عام في شتى أنحاء العالم تحت عناوين مختلفة.

المرأة الفلسطينية صانعة المجد والعزيمة

يأتي الثامن من مارس/ آذار اليوم العالمي للمرأة بحُلّته تزامناً مع استمرار حرب الإبادة الجماعية وعقبات تعرقل مفاوضات التهدئة في غزة وممارسات الاحتلال الإسرائيلي القهرية الممنهجة بالضفة الغربية وشبح التهجير والتطهير العرقي ، فلم تكن المرأة الفلسطينية بعيدة عن الأحداث التي تعصف بالساحة الفلسطينية بل كانت في قلبه حتى الرمق الأخير بقيت دوماً شامخة تفتخر بهويتها وانتمائها لقضايا وطنها وشعبها فأصبحت الأسيرة والشهيدة والجريحة والمناضلة والأم والأخت والابنة والمربية لتقدم نموذجاً للنجاح في عدة مجالات وتكامل دورها مع دور الرجل في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.

لعبت العديد من العوامل والأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية دوراً اساسياً تاركة بصماتها على أداء ودور المرأة الفلسطينية في الساحات السياسية والنضالية عبر التاريخ الفلسطيني الطويل وعند النظر إلى مفاعيل المجتمع الفلسطيني نجد أن واقع المرأة الفلسطينية اختلف عن واقع المرأة العربية بشكل جوهري وهذا يتضح عند مراجعة السياق التاريخي الذي أنتج واقع كل منهما وبالنظر إلى ذلك نجد أن المرأة الفلسطينية قابعة ضمن ثلاثة دوائر من التحدي تتمثل في التحدي القومي المتمثل بوقوع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي والتحدي الطبقي المبني على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتحدي التمييز في النوع الاجتماعي الممارس ضدها ضمن مجتمع تتنازعه الثقافة التقليدية والفهم الرجعي في كثير من الأحيان.

لقد أدى هذا الواقع إلى اختلاف في الأدوار لدى كلٌ منهن فقامت المرأة بالخروج عن الصورة النمطية المتمثلة في دور الرعاية والإنجاب والأعمال المنزلية إلى الانخراط في شؤون الحياة الأخرى كالسياسة والاقتصاد والثقافة وباقي الشؤون الاجتماعية ولم يكن هذا التغير بمثابة تمرد على المجتمع بل كان إسهاما نضالياً لمواجهة الاحتلال الصهيوني وسياسته القمعية الأمر الذي عزز من دور المرأة في المجتمع وساهم في رفع الوعي حول الدور الذي تقوم به المرأة في تعزيز وحماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وكان ذلك جلياً في مراحل الصراع الطويلة مع الاحتلال وخصوصاً الدور الريادي الذي قامت به المرأة خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

إلى ذلك استكملت المرأة الفلسطينية مشاركتها في فعاليات كثيرة كان أولها “هبّة البراق” عام 1929م ومروراً بالانتفاضتين الأولى عام 1987م والثانية عام 2000م ومسيرات العودة التي بدأت في يوم الأرض 30 مارس 2018م وبعد انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965م وصولاً الى معركة طوفان الاقصى فى السابع من أكتوبر 2023م ، فتنامى دورها على المستوى الميداني عبر رفع الوعي والتنظيم والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات وتوزيع المناشير والبيانات ومساعدة الفدائيين الفلسطينيين ولجان العمل المناطقية بإمدادهم بالاحتياجات الضرورية من غذاء و دواء ومعلومات ، بالإضافة إلى دورها في حماية الشبان من اعتداءات الجنود وعرقلة عمليات الاعتقال.

طوفان المرأة الفلسطينية

أذهلت المرأة الفلسطينية الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والعالم أجمع بثباتها وصمودها في معركة طوفان الأقصى التي تحملت بمفردها وطأة ويلات الحرب وتداعياتها من تهجير ونزوح قسري في ظروف كارثية تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة وعدم الخصوصية في الخيام غير مواجهة احتمالات فقدان المعيل والترمل وحماية الأطفال وإطعامهم والعناية بصحتهم في ظل اتباع سياسة التجويع والحصار.

شاركت المرأة الفلسطينية بكل ما تستطيع من قوة سواء في إسناد المقاتلين وتوفير شروط صمودهم وهي الأم أو الزوجة أو الأخت أو كانت طبيبة تداوي الجرحى أو متطوعة تساعد في إعانة المتضررين في حرب الإبادة أو صحفية تقف شامخة أمام العدو لتنقل الأحداث والمشاهد في أسخن بقاع الأرض وأكثرها صعوبة وتعاني من خطر الاستهداف اليومي بالقتل.

فقد بلغ عدد الشهداء بعد سبعة عشر شهراً من الابادة الجماعية على قطاع غزة وفقاً لآخر إحصائيات سجلتها وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 48.405 شهيد، 72% منهم من النساء والأطفال، منهم أكثر من 12.298 شهيدة من النساء، وأكثر من 17.881 شهيد من الأطفال وبلغ عدد المفقودين أكثر من 11.200، منهم 4.700 من النساء والأطفال.
وقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني 9.500 فلسطيني معتقلين حالياً بينهم 21 من النساء و 350 من الأطفال و3.405معتقلين ادرياً (دون تهمة).

قد يهمك ايضاً:

أبو ريدة يستقبل رئيس الكاف

الاتحادات النسوية
أما على الصعيد التنظيمي والنقابي فقد تشكلت العديد من اللجان والأطر النسوية التي تميزت بامتدادها الجغرافي الشامل لمدن وقرى ومخيمات الوطن مفسحةً المجال لشمولية النشاطات التي كانت تقوم بها هذه اللجان فنظمت حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية وساعدت في نشر التوعية بهدف استقطاب اكبر عدد ممكن من الكوادر النسوية للعمل في الاتحادات واللجان المختلفة بالإضافة إلى سياسة الحشد والتضامن مع النداءات المناهضة لسياسات الاحتلال القمعية فقد لعبت الاتحادات النسوية دورا مهما في الوصول إلى الجهات الإعلامية لخرق سياسة التعتيم الإعلامي التي انتهجتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

برزت وعززت المرأة الفلسطينية قضية فلسطين في كل المحافل الدولية بمشاركتها في الندوات والمؤتمرات وورشات العمل وأكدت على إخراج القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية فلم يكن دورها تكميلي بل كان دوراً فعالاً في صنع القرار ومكملاً للرجال في الدفاع عن القضية الفلسطينية وأصبح لها تمثيل في رسم السياسات العامة والاستراتيجيات.

مكانة المرأة في الحضارة الكنعانية
المرأة الفلسطينية عاقدة العزم على انتزاع حقوقها وهي تستلهم في ذلك ما كان لها من مكانة في تراث هذه البلاد كان للمرأة فيه مكانة خاصة في تاريخ وحضارة أجدادنا الكنعانيين الذين كانوا من أوائل الشعوب التي وضعت القوانين والأصول المدنية التي ساوت بين المرأة والرجل وكانوا أول من حرر المرأة وساواها بالرجل فكانت المرأة الكنعانية كاهنة وقائدة جيوش وسياسية بدءا بعشتار مرورا بالأميرة ألبسا وانتهاء بالسيدة مريم العذراء.
لم يكن يضاهي الكنعانيين في تقديرهم لمكانة المرأة ودورها سوى المصريين القدماء الذين كانوا يعتقدون أنها أكمل من الرجل حيث كان المجتمع الفرعوني أقرب الى المجتمع الأمومي خلافا لما كان عليه الوضع السيء للغاية للمرأة في حضارة ومجتمعات بابل وسومر وآشور.

في هذا امتياز للمرأة الفلسطينية وتعبير عن الشعور بأهمية دورها للنهوض بمسؤولياتها جنبا الى جنب مع الرجل للتحرر من القيود على اختلافها والارتقاء بدورها في عالم تتطور فيه حقوق المساواة بين الجنسين كعلامة فارقة في الحياة المعاصرة.

جدل في سن القوانين والتشريعات
ما زالت المرأة الفلسطينية تعاني من المحددات الثقافية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات الشرقية المبنية على الظلم والقهر والتمييز تجاه المرأة كما لا زال العنف ضد المرأة بكافة أشكاله يمارس بحق النساء والفتيات دون اتخاذ الإجراءات الكفيلة للحد منه وبقاء مشروع قانون حماية الأسرة من العنف يراوح مكانه منذ أعوام حيث لا زالت تحمل التشريعات النافذة نصوصاً تمييزية تجاههن كما تعاني النساء والفتيات ذوات الإعاقة من تمييز مركب بحكم اعاقتهن.

ما زالت حقوق النساء في المجتمع الفلسطيني تشهد حالة جدل ظهرت بصورة واضحة من خلال التضارب ما بين خطاب المستوى السياسي والمستوى التنفيذي بشأن إعمال حقوق المرأة الواردة في الاتفاقيات التي انضمت لها دولة فلسطين بدون تحفظات ، ترافق ذلك تحريض شاهدناه من بعض الشخصيات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بما يشكل تراجعاً خطيراً على صعيد إعمال حقوق المرأة على الصعيد الوطني وعدم احترام تعهدات والتزامات دولة فلسطين على الصعيد الدولي.

صمود المرابطات
أما عن دور المرأة الفلسطينية إزاء المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة فقد برز هذا الدور في دفاعها عن الأقصى الشريف خلال عقدين ماضيين ببسالة منقطعة النظير ضد أطماع المستوطنين في السيطرة على ساحات المسجد الأقصى وإقصاء المسلمين حتى لا يتمكن الكيان الصهيوني من تنفيذ مخططاته الخبيثة ففي مشاهد متكررة تظهر المرابطات وهُنَّ يتصدين للمقتحمين ويحاولن منعهم من أداء طقوسهم اليهودية داخل ساحات الحرم الشريف فيتعرضن لبطش الآلة الصهيونية ويتم اعتقالهن أو إبعادهن عن الأقصى ويصبحن هدفاً للملاحقة والضغط عليهن وعلى ذويهن ومنهم المرابطات خديجة خويص وهنادي حلواني وغيرهن الكثير من المرابطات.

دور المرأة في الحفاظ على الهوية الوطنية
ساهمت المرأة الفلسطينية من خلال هذه العوامل والأدوار الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وتعزيزها فكان هدف الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال السياسة القمعية التي انتهجتها إبان الانتفاضة الأولى إلى كسر صمود الشعب الفلسطيني، وشطب الهوية والموروث الوطني الفلسطيني لذلك تعرضت الهوية الفلسطينية إلى استهداف مباشر وبات الحفاظ على الهوية الوطنية من أولويات المرأة الفلسطينية لإدراكها أهمية دورها وانعكاسه على مسيرة نضال الشعب الفلسطيني سياسياً واقتصادياً، وثقافياً لقد عملت المرأة الفلسطينية على تكريس الهوية بطرق عدة متأصلة ومستمدة من عناصر الواقع الذي تعيشه لتبرز بين طيات التاريخ الفلسطيني إسهامات متألقة في ميادين الفن وعالم الشعر والأدب الروائي والقصصي والفنون البصرية والسينما والتصوير الفوتوغرافي وفن التطريز إن هذه الإسهامات الفنية والأدبية للمرأة الفلسطينية تأتي من قلب الصراع والمعاناة وتعبر عن إرادتها في تحقيق التغيير وإحداث تأثير إيجابي تحمل أعمالها رسائل تأمل وصمود وتساهم في نقل تجربتها ومشاعرها إلى الأجيال الحالية والمستقبلية.

مقارعة المحتل
في الستينيات كانت المرأة الفلسطينية من أوائل المشاركين في مقارعة المحتل إذ سطرت المناضلة الشهيدة دلال المغربي أروع الملاحم البطولية حينما أعلنت “أول جمهورية مستقلة على أرضنا المحتلة لمدة ثلاث ساعات وشادية أبو غزالة وهي أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة وليلى خالد حينما خطفت أول طائرة، وخاطبت حينها موشيه ديان، وقالت له: “هذه أرضي” والشاعرة فدوى طوقان ناضلت بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين والفنانة أمية جحا أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي صنفت من قبل الجانب الاسرائيلي بأنها ارهابية شاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والدولية ، والمناضلة نهاية محمد إحدى أبرز رموز الحركة الوطنية والإنسانية النسوية عملت على محاربة أشكال التخلف والرجعية الفكرية وبناء مجتمع فلسطيني ديمقراطي عصري قائم على تحرر الفكر والذات نحو التحرر الوطني من الاحتلال.

وهناك مناضلات فلسطينيات حاربن وناضلن ضد الاحتلال وجسدن نماذج مشرفة للمرأة ودورها في حماية وطنها ولكنهن لم يحظين بالشهرة الكافية ويرصد التقرير التالي أبرزهن
في السياق النضالي الفلسطيني نستذكر عام 1921م تأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني ومن رائدات هذا الاتحاد زليخة الشهابي وميليا السكاكيني وغيرهما وصولًا للفترة النضالية في إطار الثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965م أمثال أول أسيرة بالثورة الفلسطينية الحديثة فاطمة برناوي.

يعج السجل الفلسطيني بأسماء مناضلات فلسطينيات يصعب حصرهن ممن لهن الدور الكبير على كافة الاصعدة وتركن بصمات واضحة في النضال الوطني والعمل الاجتماعي عبر التاريخ الفلسطيني وشاركن في العمل العسكري والميداني وقدن العديد من المظاهرات والاحتجاجات الوطنية ضد الاحتلال وحملن البندقية وقاومن كما الرجل وخضن غمار الكفاح المسلح واستشهدن واعتقلن بل وأبعدن كما خضن العمليات الاستشهادية البطولية وقدن المجموعات الفدائية داخل فلسطين وخارجها.
المرأة الفلسطينية لها دور مهم لا يتجزأ عن النضال الفلسطيني إذ تعدّ شوكة في حلق هذا الكيان الصهيوني الغاصب لذا فهو يسعى بكل وسائله الصهيونية وأجهزته القمعية إلى إخماد شعلة هذا النضال التي تمثل المرأة الفلسطينية نواته، فتفكيك الأسرة وتشتيتها وتشريد أبنائها من أساليبه الخبيثة لإحباط عزيمة الفلسطينيين ، إلا أن المرأة الفلسطينية على الرغم من ذلك تضرب أروع الأمثلة في مواصلة النضال إيماناً منها بنبل قضيتها وسمو دورها.

اجمل ما قيل عن الفتاة الفلسطينية
هي سيدة فوق السطوح تراقب النجوم هي ام الشهيد صابرة هي مفتاح القدس فنور وجهها يغطي الأضواء هي مدرسة يتخرج من بين يديها الابطال والمعلمين والمهندسين والأطباء والعمال صنعت التاريخ لحاضر ومستقبل هي الأم والأخت والأسيرة والشهيدة والرفيقة وهي الحياة بأكملها إن التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية حافل في مسيرة كفاح.

فتحية إجلالٍ وإكبار للمرأة الفلسطينية في كل مواقعها؛ زوجةً وأختًا وابنة..!