بقلم – يارا زرزور :
على مر العصور، وقفت مصر شامخة في وجه الظلم، مُدافعة عن حقوق المظلومين، حاملةً لواء العدل والحرية، ولم يكن دعمها للقضية الفلسطينية إلا شاهدًا حيًا على ثبات موقفها وأصالة دورها، اليوم، ومع الدمار الذي لحق بقطاع غزة، تُجدد مصر عهدها التاريخي، مُطلِقةً خطةً شاملةً لإعادة الإعمار، تُجسد رؤيتها الإنسانية والسياسية في آنٍ واحد.
لم يكن دعم مصر لفلسطين وليد اللحظة، بل هو امتدادٌ لجذورٍ ضاربة في عمق التاريخ. فمنذ النكبة عام 1948، خاض الجيش المصري معارك شرسة دفاعًا عن الأرض الفلسطينية، وقدّمت مصر آلاف الشهداء من أجل القضية العادلة. وفي حرب 1973، كان البُعد الفلسطيني حاضرًا في التخطيط الاستراتيجي المصري، تأكيدًا على وحدة المصير المشترك. وحتى في لحظات السلام، لم تتخلَّ مصر عن موقفها الداعم، فكانت الراعي الأول لكل محادثات التهدئة، ووسيطًا نزيهًا لحماية الحقوق الفلسطينية ومنع تهجير السكان قسرًا.
بعد الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب الأخيرة، استضافت القاهرة في الرابع من مارس 2025 قمة عربية طارئة لمناقشة الأوضاع في قطاع غزة، وأطلقت مصر خطةً شاملة متكاملة لإعادة إعمار القطاع، تركز على إعادة البناء دون تهجير السكان، وضمان توفير فرص عمل للفلسطينيين داخل القطاع، وتهدف إلى توفير حياة كريمة للفلسطينيين، مع الحفاظ على الهوية الفلسطينية داخل أراضيهم، ورفض أي محاولات لفرض واقع جديد على القطاع..
جاءت هذه القمة استجابة للمستجدات السياسية، خاصة بعد اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة تهدف إلى تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” من خلال تهجير سكانها وإعادة توطينهم في دول أخرى، وهو ما قوبل برفض عربي واسع.
لا تأتي هذه الخطة بمعزلٍ عن الدور المصري التاريخي، بل هي استمرارٌ طبيعي لمواقف القاهرة الثابتة في دعم الفلسطينيين، ورفض أي انتهاك بحقهم، لم تساوم مصر يومًا على حقوق الفلسطينيين، ولم تسمح بتمرير أي مخططات تهدف إلى تهجيرهم أو تغيير خارطة القطاع، ومن خلال هذه الخطة، تُوجه مصر رسالة قوية للعالم، بأن إعادة إعمار غزة ليست مجرد مشروع هندسي، بل هي قضية إنسانية ووطنية، تُعيد الحياة إلى قلوب الفلسطينيين، وتؤكد أن مصر كانت وستظل الحصن الحامي لكل من وقع عليه الظلم.
إن الخطة المصرية لإعمار غزة ليست مجرد ورقة عمل، بل هي وثيقة وفاء تاريخية تُثبت أن مصر لا تتخلى عن مسؤولياتها، وأنها كانت وستظل السند الأول للقضية الفلسطينية. وبينما تتعالى أصوات الخراب، يعلو الصوت المصري بالبناء، وبينما يسود الظلام، تُضيء مصر طريق الأمل، فمن قلب المحن تولد المعجزات، ومصر كانت دائمًا صانعة المعجزات.