مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

د. محمد الحلفاوي يكتب حب الوطن من الإيمان

بقلم د. محمد الحلفاوي 

قد يهمك ايضاً:

السيد خيرالله يكتب : قافلة سعدة تسير .. ويعوي الحاقدون

عبد العزيز حنفي يكتب : محمد ناصر ومعتز مطر أبواق التحريض…

الدارس لتيارات الإسلام السياسى بدءا من الإخوان حتى داعش , يجدها تتفق – عمليا – على أن الوطن ما هو إلا صنما وطاغوتا , وأن عاطفة الوطنية ما هي إلا جاهلية وشركا والعياذ بالله .
فهذا أبو الأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية بالهند , يرى أن الوطنية من أعدى أعداء الإسلام , وأن الوطن ما هو إلا شيطانا رجيما !!
وهذا سيد قطب – الأب الروحي لهذه الفرق في عالمنا العربي – يرى أن الوطن ما هو إلا صنما يعبد من دون الله , وأن اعتزاز المسلم بوطنه يتنافى مع صفات المسلم الحق.
وهذا مهدى عاكف – المرشد العام السابع للإخوان – يسفه في 2006م من قيمة مصر قائلا : ” طز فى مصر وأبو مصر واللى فى مصر .. ويا ريت يحكم مصر واحد من ماليزيا ” , وذلك فى حوار موثق ومسجل مع الكاتب الصحفي سعيد شعيب نشر بمجلة روز اليوسف .
وقد أقام أحد المحامين دعوى قضائية ضد مهدى عاكف يتهمه بسب الدولة المصرية ؛ لأن كلمة ” طز ” تعنى الاستهزاء .
ولكن المثير أن مهدى عاكف قد حصل في 6/12/ 2006م على حكم بالبراءة من تهمة سب مصر ؛ بحجة غريبة وعجيبة , وهى أن كلمة ” طز ” كلمة تركية تعنى ” ملح ” ؛ وبذلك لا يوجد سبا ولا قذفا !! ففي ظل الحكم التركي كانت تفرض ضريبة على كل شيء ماعدا ” الملح ” , فكان المصري عندما يمر على البوابات وهو يحمل الملح , يقول للجندي التركي ” طز ” , فيسمح له بالدخول دون تفتيش ولا دفع ضريبة .
وبعد أحداث 25 يناير 2011م ظهر اسم القاضي الذى حكم بالبراءة ضمن حركة
” قضاة من أجل الإخوان ” التى سميت زورا وبهتانا ” قضاة من أجل مصر ” !! وقد قام القضاء المصرى العريق بإتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣م ؛ حفاظا على استقلال القضاء وميزان العدالة .
واللافت أن دعاة الإسلام السياسى – بكل أطيافه – متناقضون:
ففى الوقت الذى يكفرون فيه بالأوطان ويدعون أتباعهم بعدم الانتساب إليها واعتبارها
” ديار حرب وكفر ” , نجدهم يجعلون الانتساب إلى التنظيم والجماعة ” فريضة دينية لازمة ” !!
علاوة على أنهم يقصرون ” حب الوطن والاعتزاز به ” على ” الوطن الإسلامى” فقط , وهو الوطن الذى يحكمونه ويسيطرون عليه فقط !!
ومما ينقض نظرتهم هذه ؛ أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا قائلا : ” اللهم حبب إلينا المدينة كحب مكة أو أشد ” رواه البخارى , وقد كانت ” مكة ” فى ذلك الوقت ” وطنا غير إسلامى ” اضطهد أهلها الرسول عليه السلام وصحابته وعذبوهم واضطروهم لمغادرتها , ورغم ذلك أعلن صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حبهم لمكة , لأنها وطنهم – وكفى – وحب الوطن فطرة وغريزة بشرية عند الأسوياء .
إن خطورة النظرة الخاطئة والخبيثة عن الأوطان عند تيارات التطرف والإرهاب ؛ أنها تجعل أتباعها لا يعترفون بتراب الوطن , ويجعلهم مستعدين – بلا أدنى غضاضة – إلى مغادرة أوطانهم وعدم الدفاع عنها أمام الغاصب المحتل ؛ بدعوى أنها مجرد
تراب !!
وكلنا نتذكر فتوى ” الألبانى ” إمام السلفية المعاصرة , عندما طالب أهل فلسطين بضرورة الهجرة من فلسطين وتركها للصهاينة بدعوى أنها تحولت لدار حرب !!
قائلا : ( فالواجب الشرعى على سكان فلسطين .. أن يهاجروا إلى البلاد العربية ؛ لأن بقاء هؤلاء المسلمين تحت أيدى هؤلاء الكافرين هذا خلاف الشرع الحكيم , والواجب أن يهاجروا ” ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ” ١)
ولو طبقت شعوب العالم العربى والإسلامى فتوى الألبانى الشاذة هذه بأثر رجعى ؛ لكان يجب على المصريين الهجرة من مصر وتركها للإنجليز إبان الاحتلال الإنجليزى , وعلى أهل الجزائر الهجرة منها وتركها لفرنسا وهكذا دواليك حتى يتم تفريغ العالم العربى والإسلامى من سكانه الأصليين لمصلحة الاستعمار!!
إن هذه النظرة الخبيثة للأوطان , لا تخدم إلا أعداء الأمة وتؤدى حتما لخراب الأوطان.
وتأمل معى أن فتوى الألبانى وتابعيه هى عين مخطط إسرائيل بتهجير أهالى غزة والضفة إلى مصر والأردن !! ولذلك فإن كشف زيف فتاوى المتطرفين هو واجب الوقت , فى معركتنا ضد مخططات الصهيونية وأعداء الأمة فى الداخل والخارج .
إن الكارثة الحقيقية التى جنتها هذا التيارات المتطرفة , أنها جعلتنا نتناقش فى الأبجديات المجمع عليها بين نبى البشر قديما وحديثا , حتى نحمى ونحصن شبابنا من مثل هذه الترهات , وإلا هل كان يظن عاقل أنه سيأتى اليوم الذى يقال فيه إن ” حب الوطن ” يتعارض مع الدين ؟!
إن هذه التيارات فى أدبياتها تلغى روابط الدم والنسب والأرض وتعتبرها جاهلية !!
وهذا قمة الكذب والافتراء والجهل بالدين , فقد أقر الدين روابط الدم والوطن وبنى عليها أحكاما فقهية عديدة تملأ كتب الفقه الإسلامى , ولكن ماذا نفعل مع أدعياء العلم ؟!
إن من الصفات النبوية الثابتة – كما ينص الإمام الذهبى – أنه صلى الله عليه وسلم كان ” يحب وطنه ” , وهذه التيارات تقول : ابغضوا أوطانكم فهى أصناما وطواغيت , خربوا أوطانكم , قاتلوا أوطانكم, اتركوا أوطانكم للمحتل الغاصب !!
فهل نترك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم , ونتبع خوارج العصر ؟!
فتاوى التطرف :
1- أبو الأعلى المودودى:
يقول : ( لو ثمة عدو لدعوة الإسلام – بعد الكفر والشرك – فهو شيطان الجنس والوطن )1)
ويقول فى موضع آخر 🙁 لا يوجد فى الإسلام وطنى أو غير وطنى … فنحن كمسلمين لا يجب أن نضع أفكارنا فى قالب الوطنية )2)
2- سيد قطب :
يقول : ( إن الناس يقيمون لهم اليوم آلهة يسمونها “القوم” ويسمونها “الوطن ” , ويسمونها ” الشعب” . . إلى آخر ما يسمون , وهي لا تعدو أن تكون أصناماً غير مجسدة كالأصنام الساذجة التي كان يقيمها الوثنيون , ولا تعدو أن تكون آلهة تشارك الله – سبحانه – في خلقه , وينذر لها الأبناء كما كانوا ينذرون للآلهة القديمة ! التي كانت تقدم في المعابد على نطاق واسع !3) أما الأرض – بذاتها – فلا اعتبار لها ولا وزن ! 5)
ومصلحة الدولة , ومصلحة الوطن … إلى آخر الأسماء والعنوانات . . إذا دقق الإنسان فيها النظر رأى من تحتها . . الدود !!
فلما أن ابتلاهم الله فصبروا ; ولما أن فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم ; ولما لم يعد في نفوسهم اعتزاز بجنس ولا قوم , ولا اعتزاز بوطن ولا أرض , ولا اعتزاز بعشيرة ولا بيت6)
3- حامد بن عبد الله العلى :
يقول : ” أما فكرة الحدود السياسية القائمة على فكرة الوطنية فإنما هى أوثان فى قلوب عابديها … وكلها كذب وزيف وما بنى عليها ويقوم عليها مثلها هراء وهى كيانات الضرار التى وظيفتها تحقيق أهداف أعداء الله فى روح الأمة وجسدها … ومن لم يع بعد أن تعبيد الناس لهذه الحدود السياسية التى نصبت أوطانا أوثانا تحب كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ويوالى ويعادى عليها ويقاتل لها وبها وإليها أنه نقض لأصل الشهادتين فهو من أشد الناس عمى وضلالة .
الأمم المتحدة هى الطاغوت العصرى الأكبر نصبها الغرب الصهيوصليبى لتؤوى إليه الطواغيت الصغيرة ما يسمى بالدولة العصرية القائمة على دين الوطنية – دين ما يسمى الدولة العصرية – فتلك هى شريعتهم الإبليسية ذلك هو وثنهم الذى إليه يوفضون وصنمهم الذى إليه يزفون وكل هذه جاهلية واحدة ” 7)
4-د. على بن نفيع العليانى :
يقول : ” الوطنية هى تقديس الوطن …. حتى يطغى على الدين وحتى تحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية … والوطنية فى العصر الحاضر بضاعة مستوردة كغيرها من المستوردات وما أكثرها
ومغزى عبارة الدين لله والوطن للجميع : أننا عير معنيين بالدين وبنشره فهو لله يتولى نشره والدفاع عنه أما الوطن فهو لنا جميعا نحن والأقباط فلنبذل جهادنا لأجل ترابنا لاستنقاذه … يالك من قولة فاجرة ” 8)
5-أبو بصير الطرطوسى :
يقول : ” إن معركة الإسلام مع الديمقراطية لم تحسم بعد كما حسمت من قبل معركته مع القومية والوطنية وغيرها من الشعارات الوثنية التى تحط من قدر الإنسان وقيمته ” 9) ويعتبرها من ” الولاءات والروابط الجاهلية الوثنية
ثم يحرم استخدام كلمة القومية والوطنية وغيرها لأنها شارات وعناوين لمذاهب ومناهج كفرية باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ” 10)
6-أبو إسحاق الحوينى :
يقول : ” الوطن يعنى ” مجرد تراب … هكذا يريدون أن يربطوا الناس بالتراب ” 11)
7- أنس خطاب :
يقول : ( الوطنية على الضد من دين الإسلام , فهى دين آخر غير دين الإسلام , ولا يجوز للمرء مطلقا أن ينتسب إليها على وجه الحقيقة ؛ لأنه بذلك بكون قد اتخذ دينا غير دين الإسلام وهذا يعنى كفره وردته , ولا يجوز كذلك إظهار الانتساب إلى الوطنية على سبيل التورية لمخادعة العدو وتحييده , ولا يجوز الالتحاق بالجيوش الوطنية ) 12)
ردود العلماء:
1-الدكتور علي جمعة:
يقول : ( إن مثل هذه الأفكار الخبيثة من صنع جماعات التطرف الديني التي تستهدف مسخ الهوية الوطنية في نفوس بعض الشباب ليسهل عليها تجنيدهم في أعمال عدائية ضد الوطن .. فالإسلام عُني عناية كبيرة بتنمية الشعور الوطني، لربط الإنسان بالوطن الذي ولد ونشأ وتربى فيه، فالولاء الوطني جزء لا يتجرأ من الولاء الديني، وهو الذي يوفر للوطن كل فرص التنمية والازدهار، وقتل هذا الشعور داخل الإنسان يعرض الوطن لمشكلات وأزمات، وشاهدنا كيف ارتكب بعض الشباب في عدد من الدول العربية جرائم ضد أوطانهم نتيجة مسخ عقولهم بأفكار ضدها، وزعمهم اليأس من إصلاح أحوالها، وهذه شعارات يراد بها باطل، فقد تكون في أي وطن مظاهر فساد، أو معاناة من مشكلات وأزمات اقتصادية واجتماعية، لكن كل ذلك لا يدفع إنساناً إلى الكفر بالوطن، والتآمر عليه، والتحالف مع أعدائه
ويجب التصدي لها بالحقائق والنصوص الدينية التي تبرز اهتمام الإسلام بالوطنية، وتنمية الشعور الوطني داخل كل مسلم، وجعل الدفاع عن الأوطان ضد أي عدوان خارجي من الواجبات الدينية والوطنية التي لا يجوز التفريط فيها، وذم كل من يتقاعس عن أداء هذا الواجب، واعتباره خائناً لدينه ووطنه وأمته
والانتماء للوطن في نظر الإسلام لا يعني العصبية القبلية التي نراها في سلوك البعض، والتي قد تؤدي إلى نشوب حروب ومواجهات يرفضها الإسلام ويدينها، بل هو يعني أن يرتبط الإنسان بالمكان الذي ولد ونشأ فيه، وأن يعمل لصالحه، مع إيمانه بأنه ينتمي لوطن أكبر يفرض عليه أيضاً أن يعمل لصالحه بعد العمل لوطنه، فالشعور القومي يأتي بعد الشعور الوطني، ومن ليس فيه خير لوطنه الصغير صاحب الفضل الأول عليه، فلن يكون له خير في وطنه الكبير ) 13) ..
2- الدكتور شوقى علام :
يقول : ( كان حب الوطن من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ درجات المَدِينَةِ، أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا» أخرجه البخاري في “صحيحه”، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
قال الإمام ابن بطال: [قوله: (من حبها) يعني: لأنها وطنه، وفيها أهله وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان والحنين إليها، وفعل ذلك عليه السلام، وفيه أكرم الأسوة] 14)
وقال الإمام الزمخشري: [ كلٌّ يحب وطنه وأوطانه وموطنه ومواطنه] 15)
ونجد أنَّ الله تعالى قرن بين مشقة قتل النفس والخروج من الوطن امتحانًا واختبارًا للمنافقين؛ فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 66].
يقول الإمام أبو حيان الأندلسي: [ وفي الآية دليل على صعوبة الخروج من الديار؛ إذ قرنه الله تعالى بقتل الأنفس] 16)
وبناءً على ذلك: فالمحافظة على الإنسان والحرص على سلامة الأوطان أمرٌ فطريٌّ وواجبٌ شرعيٌّ، دلَّت عليه النصوص الشرعية القطعية 17 )
3- الدكتور عبد الله النجار:
يقول : ( الإسلام يغرس فينا حب أوطاننا والاعتزاز بها والدفاع عنها، والوقوف في وجه كل المعتدين عليها. ولذلك عد الإسلام كل من يموت دفاعاً عن وطنه شهيداً, وبلغ حرص الإسلام على هذه القيمة العظيمة أن جعل حب الوطن فوق النفس والمال والأهل
والإسلام أمر كل مسلم بأن يحفظ نفسه ونفس غيره، وجعل التعدي على النفس بالأذى كبيرة، فالنفس في الإسلام مصونة، والدماء محرمة، ومع ذلك فإن حفظ النفس رغم قداستها وظهور أمر حرمتها إذا تعارض مع حب الوطن والدفاع عنه، فإن على الإنسان أن يبذل نفسه رخيصة في سبيل الله والدفاع عن وطنه، وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه وتعالى: ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ”
لذلك كان الدفاع عن الوطن في نظر الإسلام واجباً لا يجوز التخلي عنه، وهو ضريبة الحب له، فإذا استدعى الأمر ذلك، وتعرض الوطن للعدوان ضد أي قوة معتدية يصبح الدفاع عن الوطن جهاداً واجباً على كل أبناء الوطن … ولذلك كان لازماً على الإنسان أن يجود بدمه، وأن يبذل نفسه طائعاً محتسباً في سبيل الله دفاعاً عن الوطن الذي ينتمي إليه … وحب الوطن في الإسلام ليس مجرد شعور إنساني يقتصر على ميل القلب دون أن يتحول إلى سلوك على الأرض، فالمسلم مطالب بترجمة هذا الشعور إلى سلوك عملي يؤكد اعتزازه بوطنه وعدم تقصيره في واجبه ) 18)
4- الدكتور أسامة الأزهرى :
يقول : ( أطبق المسلمون عبر التاريخ على النظر للوطن بعين الإجلال والإكبار والحب الدافق تجاهه , وأن معنى الوطن نابع من عين الشريعة محقق لمقاصدها , وأنه الوعاء الجامع لمقاصد الشريعة الكبرى من حفظ النفس والدين والعقل والعرض والمال , وأنه الوعاء الجامع الذى لا يمكن أن تستقيم الأحكام الشرعية إلا به .
فهذا الإمام فخر الدين الرازى: ” جعل مفارقة الأوطان معادلة لقتل النفس ” .
وهذا الإمام أبو الفرج بن الجوزى : يقول : ” ” فإذا اطمأننتم ” أى عدتم إلى الوطن 19) ؛ لأنه لا يحصل للإنسان أمان تام من الخوف إلا بالرجوع إلى وطنه ؛ يبقى فى منعة فى أهل فى عز فى ديار فى حمى .
وهذا الحافظ الذهبى يقول : ” وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة , ويحب أباها , ويحب أسامة , ويحب سبطيه , ويحب الحلواء والعسل , ويحب جبل أحد , ويحب وطنه , ويحب الأنصار ” 20)
وهذا الإمام ابن حجر يقول : ” وفى الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه ” 21)
وهذا الإمام أبو محمد المزنى الملقب ب ” قتيل حب الوطن ” :
” كان الشيخ قتيل حب الوطن , أملى مجلسا فى هذا المعنى , ومرض عقبه وتوفى بعد جمعة فى سابع عشر شهر رمضان سنة ست وخمسين وثلاثمائة ” 22)
وهكذا يتبين أن حب الوطن راسخ فى علوم المسلمين على اختلاف مدراسهم سواء من مفسرين ومحدثين وفقهاء وأدباء وحكماء وفلاسفة وشعراء , ولم ينتج قط فى تاريخ المسلمين عالم واحد تنكر لقيمة الوطن أو استخف بها أو قزمها أو شوهها أو ارتاب فيها, ولم يتعرض أبدا هذا المعنى للتشويه إلا على أيد التيارات المتطرفة التى ترى أن الوطن حفنة من تراب لا قيمة لها أو عاطفة سخيفة ينبغى أن تقاروم أو أن الأرض فى ذاتها ليس لها اعتبار كما يقول سيد قطب ) 23 )
الخلاصة :
1-حب الوطن فطرة بشرية عند الأسوياء من بنى البشر .
2- جميع المدارس العلمية عند المسلمين عبر التاريخ الإسلامى , أكدت على ضرورة ومشروعية حب الأوطان والحنين إليها , والقدوة فى ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
3- خطيئة تيارات الإسلام السياسى التى جعلت الوطن صنما وطاغوتا , وحرمت الانتماء إليه وهدفها الخبيث من وراء ذلك هو قطع جميع الروابط التى تربط عضو التنظيم بأهله وجيرانه وأصحابه ووطنه , وجعل انتماء العضو محصورا فى التنظيم فقط ؛ ليسهل عليها السيطرة عليه وتوجيهه لتخريب وتدمير الأوطان , كما هو مشاهد عبر التاريخ والجغرافيا .

الهوامش:
١- سلسلة الهدى والنور للألبانى ٤٥٩ ، موقع أهل الحديث والأثر
٢- الحكومة الإسلامية للمودودى ص ١٤٩
٣-المسلمون والصراع السياسى الراهن للمودودى ص 34
٤-فى ظلال القرآن لسيد قطب 4 / ص 351
5- المصدر السابق 4 / ص 408
6- المصدر السابق 3 / 389
7- الكذبات العشر عافنا الله وإياكم منها – حامد العلى موقع أصحاب كول بتاريخ 17-8- 2004م
8- كتاب ” أهمية الجهاد ” للعليانى , دار طيبة للنشر والتوزيع – السعودية ط2 1995م ص 411- 416 وهى فى الأصل رسالة دكتوراه بإشراف محمد قطب وقد أجيزت بإمتياز مع أن بها آراء فى منتهى الخطورة .
9- الديمقراطية كفر ص 117 ط2 1999م مقدمة الطبعة الثانية .
10- المرجع السابق ص 93
11- محاضرة الولاء والبراء للحوينى
12- موقع جامع الكتب الإسلامية ص 7 , 14 , 16
13- موقع الخليج : حب الوطن فريضة القاهرة بسيونى الحلوانى بتاريخ 9 يونيو 2022م
14- شرح صحيح البخارى: ج4/ ص 453، طبعة مكتبة الرشد
15- أساس البلاغة : ج2/ ص 343، طبعة دار الكتب العلمية
16- البحر المحيط : ج3/ ص 696، ط. دار الفكر
17- موقع دار الإفتاء المصرية: رقم الفتوى7200 , بتاريخ 20 نوفمبر 2022م
18- موقع الخليج : حب الوطن فريضة القاهرة بسيونى الحلوانى بتاريخ 9 يونيو 2022م
19- ابن الجوزى : تذكرة الأريب فى تفسير غريب القرآن الكريم ص 71
20- الذهبى : سير أعلام النبلاء ج15 ص 394
21- ابن حجر: فتح البارى ج3 ص 621
22- السبكى : طبقات الشافعية الكبرى ج3 ص 19
23- برنامج ” الحق المبين , مع الأستاذ أحمد الدرينى , على قناة دى أم سى بتاريخ 26 فبراير 2022م