لا تعبث مع غزة فهي الكابوس الذي يتوارثه بنيامين نتنياهو منذ أن جاء لرئاسة الوزراء الإسرائيلية ومنذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل لكل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهم غزة الشريط الصغير المحاصر تحولت إلى امتحان قاس لكل من حكم إسرائيل وكأنها لعنة توارثها الأجيال من بن غوريون إلى نتنياهو
أن غزة اليوم ليست كما كانت بالأمس ولكنها
لا تزال تنبض بالحياة وتشهد على قوة الإرادة والصمود وسكانها رغم كل الجراح متمسكين بأرضهم فغزة اليوم لم تعد مجرد بقعة صغيرة محاصرة بل أصبحت نبض الأمة وراية عالية تذكر الجميع بأن الكرامة والعزة ليستا حلماً بعيد المنال بل حقيقة يصنعها الأحرار
هذا النصر هو شهادة على أن الأمة الإسلامية قادرة على تجاوز كل المحن إذا ما التزمت بقيمها وتوحدت خلف قضاياها
بعد 15 شهرا من الحرب التي لم تبق شيئا على حاله عاد سكان غزة إلى أرضهم وبيوتهم التي تحولت إلى ركام
لم تكن عودتهم مفروشة بالورود بل كانت رحلة إلى أطلال تحمل في طياتها قصصا لم تكتمل وأحلاما تبعثرت مع الغبار فالعودة لم تكن كما تخيلها النازحون الفلسطينيون فبدلا من استقبالهم بالورود صدموا بحجم الدمار الذي لحق بمنازلهم وبنيتهم التحتية عادوا من خيام النزوح إلى عراء من نوع آخر حيث لم يجدوا بيوتا تؤويهم بل حتى مساحات خالية لنصب خيامهم
وفي كل زاوية من زوايا غزة حكاية تروي حجم المعاناة أطفال فقدوا أحباءهم تحت الأنقاض وشباب رأوا مستقبلا ينهار أمام أعينهم وأمهات يبحثن عن بقايا أثاث بيوتهن وآباء يحاولون جاهدين ترميم ما تبقى من جدران متهالكة اليأس يخيم على النفوس
فما رأوه يفوق قدرتهم على التصديق بيوت كانت بالأمس عامرة بالضحكات أصبحت اليوم خاوية إلا من صدى الذكريات وشوارع كانت تعج بالحياة تحولت إلى ساحات حرب مدمرة
لكن وسط هذا اليأس تظهر جذور عميقة من الأمل أمل يتشبث به سكان غزة رغم كل الصعاب أمل في غد أفضل في حياة تستحق أن تعاش ومع تصاعد الغضب من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجيرهم إلى مصر والأردن أصر الغزيون على العودة إلى أرضهم والتمسك بها وكأنهم يبعثون رسالة للعالم مفادها نحن أحياء وباقون وللحلم بقية ومصرون على إعادة تعمير القطاع ربما يكون إصرار النازحين الفلسطينيين على العودة إلى شمال قطاع غزة رغم المعاناة ودمار منازلهم وسط مشاهد الخراب التي خلفتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع واستمرار التدفق لحوالي 400 ألف فلسطيني هو البداية لإعادة إعمار القطاع الذي دمرت أكثر من 90 في المئة من المنازل والوحدات السكنية فيه خاصة في منطقة الشمال ونزح نحو 90 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص ورغم هذه الأرقام الصادمة فإن العائلات تستمر في العودة إلى مناطقها المدمرة والعيش بها وتحتاج إلى بعض الموارد كالمساعدات والتمويلات الدولية التي ستمكنهم من إعادة بناء بيوتهم للاستقرار فيها وكذلك شراء أثاث ومستلزمات ضرورية أخرى للحياة
وبحسب بلدية غزة فإن شح الخدمات سيزيد من معاناتهم مبينة أن ما يصل من مياه للسكان لا يغطي مئه في المئة من إجمالي مساحة المدينة وهي شحيحة في الأساس ولا تلبي احتياجاتهم في ظل الأضرار الكبيرة في شبكات المياه وتضرر أكثر من 75 في المئة من إجمالي آبار المياه المركزية كما أنه لا يمكن تقديم الحد الأدنى من الخدمات لهم دون دخول الآليات الثقيلة مشيرة إلى أنها بحاجة إلى معدات خاصة بصيانة الآبار وشبكات الصرف الصحي ورغم ذلك تعمل بأقل الإمكانيات لمواصلة جهودها في فتح شوارع المدينة وإزالة الركام لتسهيل عودة النازحين وتحرك الأهالي خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية تمنع دخول أي معدات ثقيلة لإزالة الركام كما تمنع إدخال الخيام والكرفانات
ويبقى سكان غزة في حالة من الصدمة متسائلين عن مستقبلهم ومستقبل بيوتهم في ظل هذا الدمار الكبير الذي لحق بمناطقهم ومع مرور الوقت تبقى التحديات الإنسانية والإعمارية هائلة وتتطلب استجابة سريعة وفعالة من المجتمع الدولي لمساعدتهم على بناء حياة جديدة بعد هذا الكابوس الذي عاشوه وأصبحوا يعتمدون بشكل كامل على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة ولكن مع دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع في الأيام الماضية فربما تكون هذه بداية الأمل لإعادة الحياة إليهم ومن ثم يأتي بعد ذلك مخطط إعادة الإعمار والبناء حقا أهالي غزة يعيشون وسط معاناة وتحد في نفس الوقت ولكنهم ما زالوا متشبثين بالأمل في إعمار الديار رغم الدمار والركام ورغم ما مروا به من حرب إبادة ولكن ستستمر الحياة رغم كل هذا ويبقى التمسك بالأرض حلما واقعيا للأهالي ورغم التقديرات بأن إزالة الركام الناتج عن الحرب في غزة قد تمتد إلي سنوات على الأقل إلا أن الأهالي يحرصون على الإعمار مهما كلفهم الأمر ومهما اشتد طغيان الاحتلال ومهما واجهوا من صعوبات ضخمة
غزة اليوم ليست كما كانت بالأمس ولكنها لا تزال تنبض بالحياة وتشهد على قوة الإرادة والصمود سكانها رغم كل الجراح يصرون على البقاء فيها متمسكين بأرضهم متمسكين بحقهم في الحياة وبحاجة إلى الدعم والمساعدة ولكنهم أيضا بحاجة إلى الأمل
الأمل في غد أفضل والأمل في السلام والأمل في أن يعود الأطفال إلى مدارسهم وأن تعود الحياة إلى طبيعتها غزة تستحق الحياة وسكانها يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمان