بقلم دكتور – هشام فخر الدين:
لعل ما يقع في العالم من أحداث لا يبعد تأثيرها النفسى عن البشر، فقد أضحى المرض النفسى هو الأمر الشائع سواء اعترفنا وصرحنا به أو لا واعتبرناه من الأمور المحظورة ويدخل تحت طائلة العيب والجنون والمحرم وكونه في الكثير من الثقافات وصمة عار.
وما بين أيدنا اليوم مرض نفسى متحور من مرض آخر، فاضطراب الشخصية الوسواسية (OCPD) هو اضطراب شخصية يتميز بنمط عام من القلق حول الإنتظام، الكمالية، والاهتمام المفرط بالتفاصيل، والتحكم العقلي والشخصي، وحاجة الشخص إلى السيطرة على بيئته، على حساب المرونة والإنفتاح على التجارب والخبرة والكفاءة.
كما قد يوصف المصاب بهذا الاضطراب بالإدمان القهري للعمل والبخل في معظم الأحيان، وقد يجد الشخص المصاب بهذا الاضطراب صعوبة في الإسترخاء، والشعور الدائم بأن الوقت ينفد، وأن هناك حاجة إلى المزيد من الجهد لتحقيق أهدافه، ويمكن أن يخطط أنشطته تخطيطاً وقتياً دقيقاً، ويظهر ذلك في شكل الميل القهري للحفاظ على السيطرة على بيئته، ويكره الأشياء التي لا يمكنه التنبؤ بها كما يكره الأشياء التي لا يمكنه السيطرة عليها.
ولعل أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية (OCPD) غير معروف، وهذا الاضطراب هو اضطراب منفصل عن اضطراب الوسواس القهري(OCD)، أو اضطراب الهوس الوسواسي (OCD) وهو اضطراب نفسي يتسم بظهور أفكار مُلحة ومزعجة تعرف بالهوس، والتي يمكن أن تتزامن مع تصرفات مكررة تُعرف بالوسواس. فالأفكار الهوسية تسبب قلقاً شديداً، والأفراد يقومون بتنفيذ الأفعال المكررة لتخفيف هذا القلق، على الرغم من أن هذه الأفعال قد لا تكون منطقية أو ضرورية.
والعلاقة بين الاضطرابين مثيرة للجدل، حيث أنه وجد في بعض الدراسات ارتفاع معدلات الاعتلال المشترك بين الاضطرابين، وكلاهما يشارك أوجه تشابه خارجية مع الآخر، كالسلوكيات الصلبة التي تشبه الطقوس، والترتيب والحاجة إلى التناسق والتنظيم، ويمكن أن تتواجد في أي من الاضطرابين. ويحدث اضطراب الشخصية الوسواسية في حوالي 2-8٪ من عموم السكان، و 8-9٪ من مرضى العيادات الخارجية للأمراض النفسية، وغالبا ما يحدث الاضطراب عند الرجال.
وتختلف النظرة تجاه هذه السلوكيات بين الأشخاص المصابين بأي من الاضطرابين، فبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري، فإنهم يعتبرون هذه السلوكيات غير مرغوب فيها، وينظرون إليها على أنها غير صحية، كونها نتاج أفكار مقلقة وقهرية، في حين أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الوسواسية يعتبرونها منسجمة مع ذواتهم، أي أنهم ينظرون إليها علي أنه وسائل عقلانية ومرغوبة لتحقيق الأهداف المتفقة مع العقلانية أو مع الصورة الذاتية، كالتمسك الشديد بالروتين، أو الميل طبيعياً نحو الحذر، أو الرغبة في تحقيق الكمال.
ولعل أسباب الاضطرابين معقدة وتشمل عوامل جينية وبيئية. وقد تلعب التجربة السابقة للصدمات أو الإجهاد أيضاً دوراً في ظهور هذا الاضطراب.
فمعدلات الإصابة بالهوس الوسواسي تختلف وفقاً للدراسات والمناطق الجغرافية. تقديرات عامة تشير إلى أن نسبة بين 1 إلى 2٪ من السكان تعاني من هذا الاضطراب.
فــــــــــــــ بعض الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الوسواسية يظهر حاجة قهرية للنظافة، وانشغال مفرط بالطهارة، الأمر الذي قد يجعل الحياة اليومية شيء صعب. علي الرغم من أن هذا النوع من السلوك القهري يمكن أن يساهم في الشعور بالسيطرة على القلق الشخصي، إلا أنه قد يتسبب في استمرار التوتر. وفي حالة وجود اكتناز قهري، فيمكن أن تعوق كمية الفوضي الحاجة لتنظيف المنزل مثلا، وينوي المكتنز أن ينظمها في وقت لاحق.
ويميل الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلي استقطاب التصورات حول أفعال ومعتقدات النفس والآخرين، أي صواب أو خطأ، مع انعدام أو شبه انعدام وجود منطقة وسط. الأمر الذي يوجد حالة من الصلابة والتي بدورها تضع ضغوطاً على العلاقات الشخصية، ومع الإحباط يتحول الشخص المصاب في بعض الأحيان إلى الغضب أو حتى العنف. ويعرف هذا السلوك باسم إزالة التثبيط.
والأمر الأكثر خطورة أنه يميل المصابون باضطراب الشخصية الوسواسية إلى التشاؤم العام أو الاكتئاب. وهذا بدوره يمكن أن يصبح خطيراً جداً لدرجة الوصول لمخاطرة الإنتحار. حيث تشير إحدى الدراسات أن اضطرابات الشخصية هي الركيزة للمرض النفسي، وأنها قد تسبب المزيد من المشاكل أكثر من نوبات الاكتئاب الكبري.
أما بالنسبة لطرق العلاج، فإن العلاج النفسي مثل العلاج السلوكي المعرفي يعتبر فعالًا في إدارة اضطرابات الهوس الوسواسي. ويتضمن هذا النوع من العلاج مواجهة الأفكار الهوسية بطرق مدروسة وتعليم الأفراد كيفية التعامل معها. وقد يستفيد بعض الأشخاص من الأدوية المضادة للاكتئاب أو مثبطات انتقائية لإعادة امتصاص السيروتونين.
مع الجلسات النفسية والعلاج الإيحائى المعرفى والذى يستهدف تغيير الأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة، وتعزيز التفكير الإيجابي. بالإضافة إلى ذلك فهناك تقنيات الإسترخاء والتأمل التي يمكن أن تساهم في تخفيف القلق والتوتر المصاحب لهذا الاضطراب. مع تعلم تقنيات التنفس العميق والإسترخاء قد تكون مفيدة أيضاً. وإلى جانب العلاج النفسي والأدوية، فهناك أيضاً أساليب واستراتيجيات أخرى يمكن أن تساهم في تحسين إدارة اضطراب الهوس الوسواسى واضطرابات الشخصية الوسواسية.