مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

طاقة الاندماج النووي هي الطاقة المثالية للتنمية المستدامة

بقلم – الدكتور – على عبد النبى:

التنمية المستدامة يقوم بها الإنسان لصالح الإنسان. والتنمية المستدامة تعنى توفير حياة كريمة للأجيال الحالية، ودون إلحاق الضرر بالأجيال القادمة من خلال المحافظة على نفس الفرص والحق فى حياة كريمة. ومن أولويات التنمية المستدامة القضاء على الفقر والقضاء على الجوع، وتحسين أحوال المعيشة وخاصة إتاحة فرص التعليم والرعاية الصحية للجميع، وكذا العيش فى بيئة نظيفة خالية من التلوث. وتستند التنمية المستدامة على ثلاثة دعائم، وهى البعد الاقتصادى، والبعد الاجتماعى، والبعد البيئى. هذه الدعائم تحتاج تنمية الموارد والإمكانيات المتاحة داخل المجتمع، مع إحداث توازن بيئى ومحاربة استنزاف الموارد الطبيعية. وهو ما يتطلب استخدام مصادر الطاقة الخضراء. وأحد أهم مصادر الطاقة الخضراء هى الطاقة الشمسية.

الطاقة الشمسية من أهم مصادر الطاقة المستدامة والتى لا تنفد ولا تنضب فهى غير محدودة مهما أسرف الإنسان فى استخدامه لها، وهذا يعني أنها تتجدد بشكل طبيعي، فهى تلبى احتياجات البشر الحالية وتلبى احتياجات الأجيال القادمة. وهى طاقة نظيفة لا تضيف مزيداً من التلوث لبيئتنا الطبيعية أو لصحة الإنسان أو تتسبب فى تغير المناخ.

طاقة الشمس تأتى من اندماج 4 ذرات هيدروجين، وذرة الهيدروجين أصغر ذرة فى الكون، وفى كل ثانية يندمج 600 مليون طن من الهيدروجين فى باطن الشمس، وينتج عن ذلك طاقة حرارية (15 مليون درجة مئوية) وضوئية وغاز الهيليوم وهو غاز خامل. الشمس كرة هائلة من اللهب، يتأثر بها الإنسان أينما ذهب طالباً الدفء والضياء. ولولا الشمس ما تعاقب الليل والنهار، وما سقطت الأمطار، وما نمت الأشجار، وما تفتحت الأزهار، وما نضجت الثمار. فالشمس سر الحياة على كوكب الأرض، ومصدر جميع الثروات الطبيعية، وهى التى تحدد المناخ العالمى.

نتيجة تدفق الطاقة من الشمس للغلاف الغازى لكوكب الأرض تكوّنت البيئة الطبيعية. والمكوًن الأساسى للحياة العضوية على وجه الأرض هو النبات “الأخضر”. ولإنتاج المادة العضوية “طاقة النبات الغذائية” يقوم النبات بعملية التمثيل الضوئى، فهو يمتص ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الغازى للأرض والماء من التربة والطاقة من الشمس، ويكوّن الكربوهيدرات. فالنبات الأخضر مخلوقات ذاتية التغذية، لها القدرة على تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة غذائية للمخلوقات الأخرى عضوية التغذية. فكل الحيوانات والبشر، يعتمدون على قدرة النبات على إنتاج الطاقة الغذائية.

تفهم الإنسان أن الشمس هى سر الحياة على كوكب الأرض، وأنه يستطيع استخدام طاقتها فى توليد الكهرباء، وخاصة وأن اعتماده على مصادر الطاقة التقليدية (بترول وغاز طبيعى وفحم) لإنتاج الكهرباء بشكل تجارى مكثف، قد أدى إلى مشاكل لا حصر لها فى المناخ والبيئة والصحة العامة. كما أن استخدام الطاقة الشمسية فى إنتاج الكهرباء يخدم المناطق الريفية والنائية والتي لا تستطيع الحصول على الكهرباء عن طريق شبكة الكهرباء الموحدة، وبذلك فهى طاقة مناسبة لتدعيم التنمية المستدامة فى الريف والمناطق النائية، وبذلك تكتمل خطة التنمية المستدامة فى جميع ربوع الوطن.

وقد أدى التقدم في تكنولوجيات الطاقة الشمسية إلى خفض تكلفة الألواح الشمسية، مما وضع القدرة على إنتاج الكهرباء في أيدي الناس بدلاً من اعتمادهم على شركات البترول والغاز الطبيعى والفحم ومحطات توليد الكهرباء العامة.

قد يهمك ايضاً:

حياة النساء بين الرصاص …والتبرير

لكن الإنسان أبى أن يتوقف عند إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية من الألواح الشمسية باستخدام الخلايا الكهروضوئية أو من المركزات الشمسية باستخدام المرايا. وفكر وبحث فى كيفية تطبيق نظرية الاندماج النووى والتى تحدث فى باطن الشمس ويحاكيها فى معامل تجاربه على الأرض. هناك عدة طرق لتنفيذ الاندماج النووى، أشهرها هو عملية الاندماج النووي لذرات الديوتيريوم والتريتيوم وهم نظائر الهيدروجين. هذه النظائر متوفرة بكميات كبيرة نسبياً – حيث يمكن استخراج الديوتيريوم، من مياه البحر، في حين سيتم إنتاج النظير الآخر، وهو التريتيوم، من خلال جزء خاص بالمفاعل يُعرف باسم بطّانية الليثيوم وذلك باستخدام النيوترونات الناتجة عن تفاعل الاندماج نفسه.

يتمتع الاندماج النووي بالقدرة على توفير الطاقة الكافية بشكل مستدام، دون إحداث تأثير كبير على البيئة. ولا ينتج مفاعل الاندماج النووى ثاني أكسيد الكربون أو أي ملوثات تضر الغلاف الجوي، كما ستكون النفايات المشعة الناتجة عن المفاعل قصيرة العمر جداً مقارنة بالنفايات المشعة الناتجة عن المفاعلات النووية الانشطارية التقليدية، وبذلك فهو يعتبر الحل الأمثل لاستخدام الطاقة النووية فى إنتاج الكهرباء.

تعتمد فكرة الاندماج النووى على الوصول بالديوتيريوم والتريتيوم إلى حالة البلازما، حيث تكون درجة الحرارة مرتفعة، وكذا الضغط على البلازما يكون مرتفعاً بواسطة مغناطيسات ضخمة وقوية تستطيع حصر البلازما وإجبارها على الاندماج، فتتفاعل الأيونات مع بعضها البعض وتندمج وتنتج طاقة حرارية كبيرة.

هناك مشروع بحثى دولى يتم الآن لبناء أكبر مفاعل اندماج نووى “توكاماك” فى فرنسا. ويشترك فى هذا المشروع الاتحاد الأوروبى وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين وأمريكا. كما كشفت الصين مؤخراًعن مشروع “شمس صناعية” بالاندماج النووى، أيضا مفاعل “توكاماك”، ويمكن أن تصل درجة حرارتها 100 مليون درجة مئوية، أى 6 مرات ضعف حرارة الشمس الحقيقية. وطاقة الشمس الصناعية ستكون أكثر نظافة وأقل تكلفة من الخيارات النووية الانشطارية، ولن تكون هناك نفايات تشكل خطراً على الإنسان والبيئة.

توصل العلماء الصينيون إلى طريقة جديدة باستخدام مساحيق البورون ونيتريد البورون النقي، وهذه المساحيق خاملة، مما يعني أنها لا تتفاعل مع أي شيء أو تشتعل فيها النيران، حيث كانت الطريقة القديمة تستخدم غاز مصنوع من البورون والهيدروجين القابل للاشتعال. يمكن أن يساعد استخدام المسحوق فى تطوير أشكال أكثر بساطة وأمانا من تفاعلات البلازما تسمى البلازما منخفضة الكثافة. حيث يمكن التحكم في هذه البلازما بشكل أكثر أمانا، ويمكن أن تكوّن شكلا عمليا لمفاعل يستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية.

إذا كان العلماء قد حققوا نجاحاً هائلاً فى مجال الاندماج النووى، إلا أن السباق سوف يستمر لبناء أول محطة متكاملة للطاقة في العالم. ومع ذلك، وبالنظر إلى الجداول الزمنية البحثية، فمن غير المرجح أن تكون محطات الاندماج النووى لتوليد الكهرباء متاحة تجارياً قبل عام 2030 على أقرب تقدير.

الاندماج النووى هو فرصة للبشرية لكى تتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يوشك النفاذ، وأيضا لكى تتخلص من مشكلة النفايات النووية، كما أنه يحقق حلمها فى الحصول على كميات غير محدودة من الطاقة النظيفة المستدامة والتي تدوم إلى الأبد.

الاندماج النووى يمكن أن يوفر الطاقة الكهربائية للمجتمع الإنساني لمئات ملايين السنين، فهى طاقة لا ينتج عنها أي تلوث إشعاعي يضر البيئة الطبيعية، وهى طاقة نظيفة فلا تنبعث منها الغازات الدفيئة “أول وثانى أكسيد الكربون، والميثان، وثانى أكسيد النيتروجين، وثانى أكسيد الكبريت والأوزون”،  وهى الغازات المسببة للأمطار الحمضية المدمرة للنبات والحارقة للزراعات. كما أنها طاقة مستمرة تعمل طوال اليوم وطوال الأسبوع وطوال السنة، فهى ليست متقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أن مساحة صغيرة من الأرض تستخدم لمحطة اندماج نووى، بخلاف محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التى تتطلب مساحات شاسعة من الأراضى. وكذا فإن محطات الاندماج النووى يمكن استخدامها بسهولة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المناطق الريفية والنائية والتي لا تستطيع الحصول على الكهرباء عن طريق شبكة الكهرباء الموحدة، وبذلك فهى طاقة مناسبة لتدعيم التنمية المستدامة فى الريف والمناطق النائية. وبذلك تكون طاقة الاندماج النووى هى الطاقة المثالية للتنمية المستدامة.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.