مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

النحراوي يكتب عن اللواء باقي زكي يوسف صاحب فكرة تفجير خط بارليف

4

سعادة اللواء باقى زكى يوسف.. رحيلك يغيظ الأعداء

بقلم/ د. مصطفى النحراوي

هو مبتكر كيفية اقتحام خط باليف الذى لا يقهر كما ادعت اسرائيل.. لكن أين نحو الآن من المبتكرين والعلماء والمبدعين المصريين الأفذاذ؟

بداية، أحدثكم عن بطولات اللواء باقى زكى يوسف، فقد كانت القيادة المصرية فى ذلك الوقت ـ 1969 ـ تعد خطة للعبور والاقتحام وهى المعروفة بخطة «جرانيت دا» وقد برز السؤال: «كيف نتعامل مع هذا الخط الذى تمنع الرمال تسلقه كما تمتص قذائف المدافع والصواريخ فلا تنفجر؟! فى تلك الأثناء.. كان جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة يتابع الموقف العسكرى يوميا، ويجتمع كل أسبوع بالفريق محمد فوزى القائد العام وزير الحربية وأركان القيادة العامة لبحث التطورات، وقرر ـ فى إطار التوجهات الجديدة ـ أن يطرح سؤال «كيفية التعامل مع خط بارليف» على القاعدة المشكلة من القيادات الميدانية فى التشكيلات القتالية.

وفى ضوء هذا.. وفى شهر يوليو 1969.. وفى مقر الفرقة 19 التابعة للجيش الثالث، بإحدى ضواحى السويس، عقد قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبدالكريم اجتماعا لأركان القيادة والضباط لمناقشة الموضوع. ومن بين الحضور كان المقدم مهندس باقى زكى يوسف الذى كان وقتها مديرا للمركبات فى الفرقة.. وكان باقى ـ وهو من مواليد 23 يوليو 1933 قد تخرج فى كلية الهندسة سنة 1954 وبعدها التحق بالكلية الحربية ـ ضباط متخصصون، ليصبح ضابطا مهندسا متخصصا فى ميكانيكا المحركات.. وفى الستينيات ـ خلال العمل فى بناء السد العالى بأسوان ـ أنتدب للعمل فى السد.. إلى أن حدثت أزمة 1967 فألغى انتداب كل الضباط وعاد إلى القاهرة يوم 4 يونيو.. ثم جرى ما جرى.. وألحق للعمل فى الفرقة التاسعة عشرة.. التى حضر اجتماعها.

جرت وقائع الاجتماع حيث تحدث كثيرون.. ثم على استحياء رفع “باقى” يده طالبا الكلمة.. وتحدث فاستعرض ما قيل، وأضاف أن المسألة حلها أبسط من ذلك بكثير.. والسلاح الذى سنستخدمه رخيص وموجود عندنا بكثرة وهو «مياه قناة السويس».. وذلك بأن نجئ بماكينات طلمبات ماصة كابسة.. وبها نسحب المياه من القناة ونضخها عبر خراطيم بقطر معين وبسرعة دفع معينة ونوجهها إلى خط بارليف فتقوم المياه المندفعة بتجريف الرمال فتتساقط على الطريق الشاطئى وفى داخل القناة نفسها.. وبهذا ينكشف الجدار بما فيه من أحجار وحديد.. ويسهل التعامل معه بالمدفعية والديناميت لفتح ثغرات فيه.. وقال “باقى”: إن هذه الوسيلة شاهدها فى السد العالى عند شق مجرى جديد لنهر النيل سنة 1964.. وأخذ يتكلم ويتكلم.. وعلى حد تعبيره «فقد سكت الجميع بحيث إذا ألقيت الإبرة على الأرض.. تسمع رنينها!».. وبعد أن ران الصمت وانتهى باقى، أنهى اللواء سعد زغلول الاجتماع وصحبه إلى مكتبه وكانت الساعة قد جاوزت منتصف الليل بقليل، إلا أن قائد الفرقة اتصل بقائد الجيش الثالث اللواء طلعت حسن على وقال له إن معه المقدم “باقى” وإن لديه فكرة من المهم أن يسمعها منه.

قد يهمك ايضاً:

وزير الرياضة يبحث التعاون مع “جرين جول” السعودية…

نظمتها كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية:

حدد له اللواء طلعت الساعة الثامنة من صباح اليوم التالى ـ وحدث ـ وتفهم قائد الجيش فاتصل باللواء تهامى نائب رئيس العمليات بالقيادة العامة الذى قال له أن يرسل المقدم “باقى” فورا.. وبسرعة.. سافر باقى.. من القيادة إلى سلاح المهندسين ليلتقى رئيسه اللواء جمال على.. ويقول له “باقى” إن هذه من تجارب السد العالى وأنه شاهدها.. وشاهدها غيره وذكر أسماء بينها العقيد مهندس شريف مختار بقيادة سلاح المهندسين وتم استدعاؤه.. وجاء ليسمع وليدق ـ بعدها ـ رأسه بيده.. قائلا: «هى.. دى.. تمام.. وقد شاهدنا هذا فى السد العالى.. فكيف غابت عنا الفكرة؟ ولثم جبين المقدم باقى.. شاكرا.. و..أخذت الفكرة دورتها بعد أن نوقشت أيضا فى الاجتماع الأسبوعى الذى يعقده جمال عبد الناصر.. ووافق عليها بعد مناقشة مستفيضة ثم جرت تجاربها العملية بنجاح.. وفى السادس من أكتوبر العظيم.. فى الدقيقة الخامسة بعد الساعة الثانية ظهرا ـ سنة 1973م ـ عبرت الجبهة على طول القناة مائتان وخمس وعشرون طائرة مقاتلة انطلقت من قواعدها فى توقيتات مختلفة لتكون فى لحظة الصفر فى وقت واحد فوق مياه القناة تعبرها لتدك مواقع العدو.. وبعد دقائق انطلقت المدافع فى كل الجبهة تستكمل دك ما فعلته الطائرات وتركز على مواقع معينة خلف خط بارليف ومنها مركز «أبوخشيب» للاتصالات الرئيسية، ومنها مخازن الأسلحة ومعسكرات القوات.. وفى اللحظات نفسها.. كان الاقتحام البرى عبر الكبارى التى نصبها سلاح المهندسين وبالقوارب المطاطية، وكانت مدافع المياه ـ الماكينات الماصة الكابسة بتجهيزاتها فى المقدمة ـ لكى تمارس مهمتها بـ «رشة» من مياه القناة بدلا من القنبلة الذرية.. لتجرف الرمال وتكشف بارليف الذى صار عاريا والذى دكته المدفعية لفتح ثغرات.. وليقتحمه المقاتل المصرى ـ أحد أبرز المفاجآت فى الحرب ـ وليمسك بالعدو الاسرائيلى ـ كما قال قادته ـ وهو تحت المفاجأة لم يستكمل ارتداء سراويله!!.

وبعد،

فإن المقدم باقى زكى يوسف.. لم يخترع ولم يبتكر.. ولكنه كان مبدعا فى عمق الانتماء والاحساس الوطنى ـ بغير ضجيج ـ وفى سرعة البديهة، ويقظة الذهن.. الأمر الذى جعله وهو يراقب خط بارليف والرمال الحامية له يتذكر «خبرة» بناء السد.. وهى خبرة كان غيره ـ من الكبار والصغار ـ يعرفونها.. لكن أحدا منهم لم يتذكر.. ولم يربط بينها وبين بارليف. فماذا لو كان باقى مثلهم؟ وماذا لو لم يحضر الاجتماع المشهود؟ وماذا لو كان مترددا وصمت؟ و.. من يحفظ لنا الخبرة.. فإن هناك مئات التجارب والخبرات سواء فى السد العالى أو فى أى مجال.. والمهم منها هو ما لا تتضمنه كتب أو دراسات.. فكيف نحفظها ونتعرف عليها.. ولماذا لا نصون أصحابها.. ونسمع منهم فى لقاءات متصلة؟ ثم.. سؤال مهم: هل نكافئ المبدع؟ وماذا فعلنا مع المقدم مهندس باقى زكى يوسف؟

لقد فرضوا عليه التعتيم!! وفى عام 1988 وعندما كان المسئولون مشغولين باختيار الفائزين بجوائز الدولة التقديرية وغيرها.. كتبت «الأهرام» تطالب بمنح التقديرية فى العلوم لصاحب فكرة استخدام مدافع المياه فى خط بارليف. وبرز كثيرون يدعى كل منهم أنه صاحب الفكرة.. ولم يكن ذلك صحيحا فربما شارك في دراستها أو فى تجاربها أو فى شراء ماكينات ضخ المياه من المانيا وبريطانيا على أساس الاحتياج إليها في آبار الوادي الجديد.. إلى أن ورد للأهرام خطاب يكشف أن باقى هو صاحب الفكرة ويذكر اسمه ورقم تليفونه، فاتصلت به الأهرام وزارته فى بيته وروى لها التفاصيل، وصدقته، ومع هذا طلبت منه وثيقة رسمية، فجاء بها بعد أيام من هيئة التنظيم والادارة بالقوات المسلحة تقول إن المقدم مهندس باقى زكى يوسف هو صاحب فكرة نسف خط بارليف بخراطيم المياه وقد عرضت على الرئيس جمال عبد الناصر ووافق عليها فى سبتمبر 1969. ونشرت الأهرام هذا.. وبدأت الصحف وغيرها من وسائل الاعلام تتصل به وتنشر وتذيع وتعرض.. وفي النهاية.. تُرى كم يوجد بيننا من لديه خبرات مثل المهندس “باقي” لكن لا يلتفت لها أحد! ألا هل بلغت.. اللهم اشهد.

اللواء باقي زكي يوسف
الراحل إبراهيم نافع

 

اترك رد