مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب: ألسنة الزمن تأكل من وجوهنا

6

 

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

أوصيك يا نفس بالنهر لا البحر باللحظة التي نحن فيها لا التي ننتظرها لا تكتبْ شيئا مرتبا أو منظما لأنه سينقلب عليك اكتب ما تشتت في خاطرك وتبدد بين شغاف مشاعرك ولا تجعل كل كتاباتك في ذهنك فما في الذهن إلا غيوم ترعى واجرع من ماء وجدانك وملح الخيال ونور الأحاسيس التي لا تخلف وعودها
تجري بنا المصادفات في تاريخنا القصير والعابر مثل أقدار تمضي كما تشاء فلا تترك لنا إلا فرصة تأويل الحكاية إن الدنيا عالم كبير غريب كل يوم يجد فيه الجديد لم يكن الله ليعذبنا ولكنه أراد أن يعلمنا معني الخلود حين نلقاه حياتنا تجارب قد نحيا بها أو نموت معها تأخذنا تارة إلي الفرح وتارة أخرى إلى الترح وقد خلقنا فيها لنتعلم منها أكثر ما نلاقيه في حياتنا هو الفراق وإن تباينت أنواعه فقد نفترق لموت أو لكره أو حتي حب وغيرهم من الفراق كثيراً ما أرى تلك العبارة أمامي كلنا فترات في حياة بعضنا البعض تلك الجملة تمس أوتار قلبي فتمزقه خاصة إن آمنت بها فستجعلني أوقن أن كل من يدخل حياتي سيفارقها لا محالة طال مكوثه أو قل وللأسف تلك هي الحقيقة هل كنا زمان كما الآن لوعاد بنا الزمن إلى الوراء أوتقدم إلى الأمام في ضربة جزافية هذا الزمن الذي نحياه هو بقايا شيء يشبه الدهر نسبح فيه بالقوة ونسميه دون إحساس بالذنب الزمن لأنه يختار من أتباعه من يهدم قلاعنا فيحولنا إلى أسرى ورهائن وعبيد وسبايا
أيها الرفاق منذ متى ونحن نجوب الأيام والليالي بحثا عن مجتمع فاضل نوزع فيه التوبة والأحلام الكبيرة التي تنتهي بإخفاقات في خيال انتصار متوهم وكلما بوأنا قائدا منا وعلينا قتلوه أو نحن من يقتله ونلوح بأشلائه بعيدا ومتى لم نفعل يأتي منهم من يخوننا أو يقتلنا أو يصطف في الطابور ليقبض الثمن كم مرة متنا ومتنا ثم نعود لنحلم نفس الأحلامَ حتى تعودنا إدمانها وذابت في الحقائق التي حفظناها وصرنا نخشى افتقاد هذا السحر وهذا الوهم وهذا القتل الذي يأتينا حارقا ممن كانوا ألسنتنا وأقلامنا وكلما لملمنا زمنا عله يسعنا فنطرح عليه أحلامنا مسرعين علنا نستريح قليلا قبل أن يكفروا ويطعنوا أو يحرقوا أو يغرقوا أو يسرقوا وينهبوا فنعود قلة قليلة نبحث عمن يحمل معنا الصخرة القديمة التي اسودت بآثام حلمنا العصي صرنا نحن المتفرجون وصاروا هم المهرجون في أمكنتنا قاعدون أو مقعدون لا نتحرك حتى يبسنا ويبس كلامنا أما المهرجون بلباس الماضي ويبيعوننا صكوك حاضر مزيف بالغفران إلى جانبهم سادة جدد ولدوا في ساعة العصر قبل الأصيل
ألم نتعب من التخمين وتقليب الحدوس ألم تنقطع أنفاسنا من الشتات وشتات الشتات أَلم نكل من النظر في اتجاه واحد بأكثر من قناع وقد صرنا زمرة من الحالمين بعدما مات من مات وقتل من قتل وباعنا من باع وفر من فر واصطف من اصطف أو اليائسون يأسا عظيما ممن لم يجدوا نهرا أو بحرا فارتموا في التراب قطعة واحدة في حجم قبر مجهول هل تكفيكم أم تكفي أحلامنا
من نحن الآن بعد كل هذا بعدما فقدنا القدرة على الفعل وبعض من بقي منا اختار مائدة الماضي والبكاء بعد كل وجبة أو اختار موائد أكل لحومنا نيئة فهي الأقرب إلى لحوم الطرائد الوحشية التي صارعت بكل ما أوتيت في هذا الغاب الكبير
هل كنا على صواب؟
فقد جعلوا الشك سبيلا سريعا إلى قلوبنا وقالوا كان زيغا منا ليبرروا اندماجهم السريع كنا ممتلئين أملا فصرنا مجالا فسيحا لليأس كنا شجرة يستظل بها الحالمون والثوار والفقراء فصرنا حطبا لليلٍ بارد وطويل كنا وجها فصرنا قناعا
كنا رأسا فصرنا قدمين كنا هوية فصرنا هاوية فنستعيد زمننا الحقيقي ونضبط ساعتنا على الحياة كما نشتهيها كل واحد منا يحيا في جزيرته سلطانا يسوس الرياح ممتطيا صهوات بروق ورعود وأناشيد تحولت إلى حشرجات خانقة
لا تقاطعوني أرجوكم فأنا لم أقاطع فرحكم ويأسكم أبدا أنا وأنتم تعرفون الكثير الكثير لا شيء لدي لأخسره سوى كلماتي التي تنهض من بئر مهجورة وتسكن كهوفا لها شرفة سرية على الأبد سنخرج منها إلى هجرات جديدة في رحلة تأخرت طويلا لا رغبة لي في شيء سوى ما ملكت كلماتي وأحلامي إننا نعيش بأقنعة تأكل من وجوهنا أدعوكم للمرة الأخيرة أن تعالوا نرميها في النار ونخرج إلى العالم فاص آ فاص لا استسلام ولا تفاوض وإنما هي طريق نسيرها بلا تردد حتى النهاية
لا لأنصاف الحلول لا للاستسلام
فالزمن هو المنتصر الوحيد في كل المعارك لذلك أوصيكم أيها الرفاق بالوضوح والنظر في الشمس والغيوم

التعليقات مغلقة.