نهلة مقلد:
إنطلق بمجمع الفنون (قصر عائشة فهمي بالزمالك) معرض “المشهد” الذي يضم أعمال 90 فناناً من أهم التشكيليين المصريين في عرض كبير يستهدف رصد المشهد الآني للحركة التشكيلية.
من بين المشاركين الفنان عماد عبدالوهاب عماد عبدالوهاب الذي أعلن عن حضوره بمشهد خاطف للعين والذهن معاً ذلك من خلال عمله التصويري ضمن مشروعه الفني “فنجان ورد” الذي يدور حول المتغيرات التي تحدث داخل المجتمع، حيث بداياته والدراسة الأكاديمية بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير جامعة الإسكندرية، ومن بعدها استكمال دراسته بأكاديمية الفنون الجميلة بالعاصمة الإيطالية روما، جعلته يميل إلى بحث تأثير الفكر المجتمعي وما يحيط به من متغيرات مختلفة على قناعات الإنسان ومدركاته الحسية، ومنها تولد لديه التفكير في أنماط الحياة، فتطلب ذلك منه طرق وأساليب غير اعتيادية أكاديمياً في الرسم واللون للتعبير عما يحسه ويتفاعل معه ويدور في ذهنه من أراء وأفكار والتي أحياناً منها متناقضة الرؤى، ومن خلال الأشكال والعناصر المكونة لفكرة العمل الفني التي يطرحها والتعامل معها بشكل رمزي بسيط دون الأهتمام بكل التفاصيل التي منها لا يخدم الفكرة أو الأطروحة، فهي أنثى متأرجحة بين اللذة والألم، أو إن شئنا الدقة، هي أنثى تستقي لذتها من منابع ألَمِها ذاتِه .. تلك هي البطلة، التي يستدرجُنا “عماد عبد الوهاب”، كي نتعايش معه في تأمُّل بعض مشاهدٍ، تُلَخِّصُ ملحمتَها الذاتية، القائمة على الاستسلام لتيّار الألم، المُسَيَّر برياحٍ من بقايا تقاليد شعبية أورثها مجتمع ذكوري الطابع.
فيضعنا الفنان عماد عبدالوهاب أمام تجربة تحمل رسالة فنية إنسانية.. وبذكاء استخدم لغة تشكيلية تعبيريةقوية من خلال المرأة كعنصر تشكيلي للدلالة على أشكال وأنماط المجتمعات المختلفة، والتي أحياناً صادمة لجذب المُتلقي بصرياً ومنه إلى حوار يطرح العديد من التوجهات والرؤى المغايرة التي تُعبر عن الواقع في صياغات قريبة من الطرح الفانتازي أو المُخيلة الإبداعية التعبيرية، وتحمل الأعمال الكثير من الموضوعات المرتبطة بالمرأة وقضاياها شديدة الخصوصية، والتي تجسد قناعاته وأفكاره المتمردة ضد الكثير من المفاهيم المجتمعية لاسيما تلك السائدة بالمجتمعات الشرقية، لذا لجأ أن تكون المرأة بطلة أعماله لإحداث خلخلة فكرية لهذا المجتمع وهويته، لإعادة بناء بعضٍ من تلك المفاهيم، حتى أنه أحياناً يذهب بنا بعيداً نحو صورة وحشية يشاغب بها الواقع ومشتبكاً مع ثوابته.
يسعى عبدالوهاب عمداً إلى الحصول على تأثير الأجساد والشخصيات للإشارة إلى مأساة ما أو حالة تمرد على بعض الأفكار المرفوضة من قبله، ومن خلال تركيزه على الطبيعة البشرية وطبيعة المرأة بوجه الخصوص يقودنا إلى ملاحظة ما يتمتع به من رؤى طازجة دوماً، عامداً بذكاء إلى إغفال بعض التفاصيل الواقعية لاستحضار اللغة اللونية وديناميكية التكوين بدلالات قوية وحاسمة مما يجعل عمله بلا شك معاصرًا وملائمًا لسياق الحياة الحديثة، وقادراً على إثارة مصادر الإلهام لدى المشاهد للوصول إلى تساؤلاته ومخاوفه وقناعاته الفكرية.
يقول عماد عبدالوهاب عن تجربته .. “تنبع منطلقاتي الفنية والفكرية من خلال رصد للمتغيرات الاجتماعية وما أعيشه داخل المجتمعات المختلفة من متغيرات فكرية .. أولاً، كفرد داخل هذا النسق المجتمعي، وما يؤثر عليّ به من متناقضاته سواء الإيجابية أو السلبية، ثانياً، أعبر عنها كفنان من خلال أطروحات بصرية وصولاً لمفهوم ذلك من خلال الإسقاط الفكري على المجتمع بواسطة الرموز البصرية والتي تشكل من خلال رؤيتي بعض المفاهيم التي تحدث داخل المجتمع والتي تؤثر عليه بشكل عام، وعليّ أنا بشكل خاص، فمنها يتولد التفكير في أنماط الحياة، ومنها أتوصل إلى مفاهيم تترجم لمجموعة من الرموز التي تشكل اللوحة الفنية، ومن ثم التجربة الإبداعية لديّ … فأهتمامي جاء بإظهار صراع الفرد داخل المجتمع، من صراعات عنصرية بقبول مفردات ورفض أخرى، ممتزجة بالخيال الذي يلغي السببية ومادية المفرد ليحل مفهوم خاص من خلال المعايشة الذاتية في إطار استدعاء الذاكرة البصرية والرؤية البصرية لمكونات المجتمع، والارتكاز على دلالات وعلامات ورموز بصرية للكشف عن الصورة السطحية للمتغير، بأبراز التناقض بين الشكل الخارجي وبين الداخل، وصولاً للتعبير عن إزدواجية الأفكار المعرفية التي لا تكون لها مصداقية في الواقع والتي أصبح فيها الحكم (غير نهائي)، حيث يمثل مجموع المشاعر والأحاسيس والاضطرابات والفوضى الذاتية ومنظومة القيم الهشة، فإن معظم أفكارنا في (الثقافة العربية) ما زالت محل نظر، والتي تدل على ضعف التفكير العام، لتتسبب في فوضى واضطراب ومن ثم تشكل قيم مغايرة ليس لها علاقة بالمنظومة العالمية الجديدة ولا بمنظومة القيم الموروثة فما هي إلا قواعد تضعها المجتمعات في الظاهر ثم تنتهكها في السر فتعيش حالة الازدواجية المغلفة بثوب الوهم الذي يحمل رداء الأخلاق والقيم والأعراف الأصلية لتكشف كم التناقض الحاصل في داخلها.
التعليقات مغلقة.