بقلم – د . إســلام جـمال الـدين شــوقي
خـبير اقـتصــادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
في الوقت الذي يُعاني فيه العالم من أوضاع معيشية صعبة للغاية مع تفشي فيروس كورونا ومع ظهور المتحور الجديد للفيروس “أوميكرون” وتأثيره على الاقتصاد العالمي، بدأت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا حيث شهدت الساحة العالمية الفترة الماضية حالة من التوترات السياسية بين روسيا وكلٍ من الإتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الانسحاب الروسي من أوكرانيا وإنهاء العمليات العسكرية، حيث ارتفعت المخاطر المتعلقة بالاقتصاد العالمي نتيجة هذا الصراع. ويأتي علي رأس تلك الضغوط الارتفاع الملحوظ في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى تقلبات الأسواق المالية في الدول الناشئة؛ مما أدى إلي ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط علي الميزان الخارجي.
ولقد أدت هذه الأسباب إلى قيام البنك المركزي المصري بعقد اجتماع استثنائي بالأمس، وقررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصـري رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9,25% و10,25% و9,75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلي 9,75%.، وحرصًا من البنك المركزي على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ومكتسباته، فإن البنك المركزي يؤمن بأهمية مرونة سعر الصرف لتكون بمثابة أداة لامتصاص الصدمات والحفاظ على القدرة التنافسية لمصر لذلك قام البنك المركزي بما يمتلك من أدوات وآليات بتحريك سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية ليصل متوسط سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري 18,22 جم.
كل هذه التداعيات السابق ذكرها تجعل الأفراد في دول العالم المختلفة بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص في البحث عن ملاذات آمنة للحفاظ على مدخراتهم والبحث عن كيفية الاستثمار الآمن والناجح من أجل الحفاظ على هذه المدخرات.
وهنا يتم طرح سؤال هام ماهي الخيارات الاستثمارية التي قد يلجأ إليها المستثمرون والأفراد في ظل أوقات الأزمات والحروب لحفظ قيمة مدخراتهم والعمل على زيادتها؟
1- الذهب:
يأتي الذهب على رأس الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون والأفراد، حيث يحظى الذهب بشعبية كبيرة لحفظ الموارد المالية في أوقات الأزمات، ولقد أدى الغزو الروسي على أوكرانيا لارتفاع جنوني لسعر الذهب في البورصات العالمية ليتجاوز 1940 دولار للأوقية، ويحظى الذهب أيضًا بطلب كبير من قبل البنوك المركزية التي تعتبره أحد وسائل تنويع الاحتياطيات الأجنبية علاوةً على الأفراد والمستثمرين الذين يجدون في الذهب غايتهم كوسيلة آمنة لحفظ المدخرات فهو مخزن للقيمة والتحوط ضد مخاطر الاقتصاد وتقلبات الأسواق.
لذلك فإن الذهب حتى لو لم ترتفع قيمته فإنه بلا أدنى شك سيحافظ على قيمة المدخرات وبالتالي فهو وسيلة آمنة للتحصن ضد ارتفاع معدلات التضخم وفي ظل حالة عدم اليقين، ولقد حقق الذهب مكاسب هائلة منذ جائحة فيروس كورونا حيث وصل إلى نحو 30% خلال عامين، ومرشح للاستمرار في الصعود مرة أخرى، لذلك ينصح في حالة عقد الأمر على الاستثمار في الذهب فعليك شراء السبائك أو الجنيهات الذهبية، بدلًا من شراء المشغولات الذهبية التقليدية، التي في الغالب ما تفقد جزء من ثمنها نتيجة تكاليف التصنيع، وكذلك يجب العلم جيدًا أن الذهب أداة استثمار تكون في الأجل المتوسط والطويل وليس الاستثمار قصير الأجل.
2- الاستثمار في الأوعية الادخارية والشهادات البنكية:
تُعد الشهادات البنكية أحد الأدوات التي يتم طرحها من قبل البنوك، وتعتبر أحد الملاذات الآمنة أيضًا لحفظ المدخرات، والاستثمار بها يدر عائد قد يصل إلى حوالي 11% سنويًا، ولكن يختلف من بنك إلى آخر، وتدر دخل شهري، كما يمكن الاقتراض بضمانها حتى 90% من قيمتها الأصلية، كما أنه أهم مايميزها توافر فئات مختلفة منها مثل الشهادات السنوية، وكذلك الشهادات لآجل مثل ( 3 ، 5 ، 10سنوات).
ولقد قام البنك الأهلي المصري، وبنك مصر اليوم بعد رفع سعر الفائدة بالأمس من قِبل البنك المركزي المصري بطرح شهادات استثمار للأفراد لمدة عام بمعدل فائدة 18% في محاولة لمساعدة الأفراد في مواجهة ارتفاع التضخم وبالتالي العائد سيكون مناسب جدًا في ظل عدم توافر مثل هذه الشهادات في بنوك أخرى، وبنفس معدل العائد المرتفع وبالتالي سوف تجذب شريحة كبيرة جدًا من المجتمع لاستثمار مدخراتهم في هذه الشهادات ذات العائد المرتفع، وتُعدُ ملاذ آمن للأفراد للحفاظ على مدخراتهم.
3- الاستثمار في العقارات والأصول:
يُعدُ الاستثمار في الأصول والعقارات ضمن الملاذات الاستثمارية الآمنة ومخزن للقيمة كما أنه من المتوقع في ظل الفترة القادمة أن ترتفع قيمة العقارات في مصر بنسبة 10% إلى 20% بسبب تأثير الحرب الروسية الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت وغيره من المواد المستخدمة في البناء، وهناك كثير من الأفراد في مصر يلجأون إلى الاستثمار في العقار سواء كان للسكن أو الاستثمار، ولكن يجب التنويه أن مشكلة قطاع العقارات في مصر تتمثل حاليًا في نقص السيولة لدى الأفراد والشركات على حد سواء، وبالتالي أصبح العقار لا يحقق تكلفة الفرصة البديلة.
ولنضرب مثال على ذلك لو تم شراء شقة بالتقسيط على عدة سنوات بمليون جنيه وبعد الانتهاء من التقسيط بعد 5 سنوات مثلاً يريد المالك بيعها ب 2 مليون جنيه في هذه الحالة يحتاج إلى شخص آخر يمتلك السيولة المالية لشراءها منه نقدًا وليس تقسيط كما تم شراءها من قبل وبالتالي هنا تكمن تكلفة الفرصة البديلة في الاستثمار في الأوعية الادخارية والشهادات البنكية التي ستتيح له المبلغ الذي استثمره بالإضافة إلى الفوائد التي حصل عليها وتكون في صورة سائلة ويستطيع الحصول عليها من حسابه البنكي في أي وقت دون الحاجة إلى الإنتظار لبيع العقار في ظل تخمة المعروض وأزمات التسويق.
4- الاستثمار في أسواق المال والتي من بينها البورصة المصرية:
هناك وجهة نظر لكبار المستثمرين في البورصة حيث يرون أن أفضل الفرص الاستثمارية تكون في وقت الأزمات، حيث أنه يكون هناك انخفاض في أسعار الأسهم وخسارة أصحابها وبالتالي فإنه الوقت المثالي والمناسب للاستثمار في البورصة وشراء الأسهم التي انخفض سعرها، وفي هذه الحالة يتم دراسة الأسهم التي من المتوقع ارتفاع ثمنها مرة أخرى بعد تحسن حالة السوق.
ولكن يجب التنويه بأن الاستثمار في البورصة لايكون في الأجل القصير فهناك تصور خاطيء أنه يمكن جني الملايين في أيام وأنها تكون بمثابة المقامرة ، فالبورصة وإن كانت وسيلة للاستثمار في الأموال الساخنة، إلا أنها تتأثر سريعًا بالأحداث العالمية، ومن يريد الاستثمار بها عليه اختيار أسهم الشركات المناسبة ويتركها لتتحرك وفق المؤشرات الاقتصادية، ونتائج أعمال الشركة، ومعدلات النمو، دون العجلة، لذلك فإن الاستثمار في البورصة يكون في الأجلين المتوسط وطويل الأجل.
5- الاستثمار في السندات وأذون الخزانة المصرية:
أحد الأدوات الاستثمارية الآمنة التي يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية بشكل دوري أسبوعيًا، ويتم التصريح لعدد من البنوك العاملة في مصر للأفراد والشركات سواء المصريين أو الأجانب بشرائها، ويتم الإعلان عن سعر العائد الخاص بها وتكون الأذون لأجل من 3 أشهر إلى عام، بينما السندات من 3 إلى 15 عامًا، ويتم طرح الأذون عن طريق البنوك يومي الأحد والخميس من كل أسبوع، بحد أدنى للشراء 25 ألف جنيه، بينما السندات يوم الإثنين من كل أسبوع، بحد أدنى للشراء ألف جنيه، وهذه وسائل مناسبة جداً لمن يرغب في هذا النوع من الاستثمار، لكن هناك نسبة ضرائب 20% على الأذون والسندات، تجعلها في النهاية أقرب إلى الشهادات البنكية مرتفعة العائد، وتتمتع بأمان كامل، ويمكن كسرها وبيعها في أي وقت بسعر السوق بعد خصم البنك العائد الذي حصل عليه العميل مقدمًا من أصل المبلغ، دون غرامات أو مدة زمنية محددة كما فى الشهادات البنكية.
وعلى الرغم من أن الاستثمار في أوقات الأزمات يعد صعب للغاية إلا أنه هناك مجالات مضمونة ويسيرة للأفراد يمكن اللجوء إليها لحفظ قيمة مدخراتهم فيها وزيادتها عن طريق الاستثمار بها، وليس كل ما تم ذكره هو كل أدوات الاستثمار بل هناك أدوات أخرة كثيرة يمكن للأفراد اللجوء إليها للاستثمار بها، ولكن ماتم ذكره أحد أهم الأدوات وليس كلها، ويبقى السؤال كيف يمكنك استغلات الأزمات العالمية لتحقيق الأرباح؟
التعليقات مغلقة.