مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

  يوسف سلامة يكتب: حبة الغلة القاتلة تحصد أرواح المصريين . أين الرقابة ومن المتربحون منها؟

 

«حبة الغلة» التي تكرر استخدامها فى وقائع انتحار عديدة، وانتشرت شهرتها كأسرع طريقة للانتحار الفوري فى ربوع الوطن.

حتى وصل الأمر بين الشباب الصغار إلى الرهان على وضع «الحبة» فوق لسانهم للحظة خاطفة مقابل 20 جنيهاً سيدفعها أحد أصدقائه، إذا لم يتأثر بها صحياً.

 

وقد حدث الرهان فعلاً، وضع الشاب الحبة على لسانه وكسب العشرين جنيهاً، وتفرق الرفاق كلٌ إلى بيته، وما هى إلا ساعات حتى اندلع الصراخ فى منزل الشاب، صراخه وصراخ والدته وشقيقاته، فقد بدأ الألم يعتصره، وأصابته حالة تشنج رهيبة، وحتى عندما تصلبت أطرافه وفقد الإحساس تماماً بذراعيه وساقيه، وغاب إدراكه بكل من حوله، ظل جسمه يرتجّ وكأن زلزالاً داخلياً يمزق أحشاءه.

وعندما حملوه إلى أقرب مستشفى وقف عدة أطباء فى البدء حائرين أمام هذا الوحش الخرافي الذى يمزق إنساناً تحت أعينهم، وهم عاجزون تماماً عن تشخيص الحالة حتى يقترحوا الإسعاف المناسب، ولكن أحد الأطباء خطر له فجأة أن يسأل عما إذا كان هذا الشاب قد تناول «حبة الغلة» وجاءته الإجابة من زملائه الذين لحقوا به إلى المستشفى: لقد لحسها فقط يا دكتور

وبسؤال أحد الأطباء الكبار أخبرني أنه لا يوجد دواء يمكنه إنقاذه، وأن أقصى تصرف هو حقنه بأقوى المسكنات لتخفيف الألم الرهيب حتى يلقى المصاب وجه ربه...

 

بعد ذلك أكد لى عدد من الأطباء الذين تصادف استقبالهم لحالات الانتحار بحبة الغلة، أن أقصى أمانيهم أن يموت المريض فوراً، لأن الألم الناجم عن تناول هذه الحبة والتشنجات المصاحبة له لا مثيل لها على الإطلاق فى أى مرض آخر، وحتى عندما يدخل المريض فى غيبوبة كاملة، يظل جسده يرتج وكأنه سمكة حية يتم شيها على النار.

 وفى هذه الساعات الرهيبة يتعرض الطبيب لأقسى تجارب عمره، فهو يعلم يقيناً أنه لا توجد قوة على الأرض، ولا يوجد دواء ولا تدخل جراحي، يمكنه إنقاذ المريض أو تخفيف آلامه المروعة. وفى الوقت نفسه يطارده أهل المريض ويحاصرونه بالاستغاثات واللعنات وأحياناً بالضرب لأنهم يتصورون دائماً أن هناك تقصيراً أو إهمالاً تسبب فى وفاة المريض.

 

قد يهمك ايضاً:

الوالدين نور الروح و إن رحلوا

من أنت ؟

بدأت حكاية حبة الغلة القاتلة التي يستخدمها الفلاحون والتجار وأصحاب صوامع الغلال، فى حفظ القمح من السوس والحشرات والفطريات أثناء تخزينه فى حفظ القمح وهذه الحبة تم منعها من التداول أو الاستخدام فى أوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد اكتشاف أنها السبب فى الوفيات الغامضة بين العاملين فى صوامع تخزين القمح، وقد اتضح أن مجرد لمسها باليد ثم وضع اليد على الوجه، يؤدى إلى أعراض شديدة الخطورة تنتهي بالوفاة أحياناً

لكن للأسف سمحت لجنة تسجيل المبيدات بوزارة الزراعة، باستيراد هذه الحبة التى تتكون من فوسفيد الزنك مخلوطاً بألومنيوم فوسفيد، وهي تباع منذ عام 2010 تقريباً فى محلات البقالة والمبيدات بكل قرى مصر، ومؤخراً انتقل استخدامها من الوادي والدلتا لحفظ القمح والفول من التسوس، إلى المناطق الصحراوية التى تستخدمها فى تعقيم النباتات العطرية مثل الكراوية والينسون، ثم وصلت أخيراً إلى الوادي الجديد والمحافظات الساحلية لاستخدامها فى حفظ التمور من التسوس!

 

ومؤخراً انتبه بعض أعضاء مجلس النواب إلى الخطورة الفادحة لهذه الحبة القاتلة، التى يذهب ضحيتها مئات الشباب سنوياً، بسبب سهولة الحصول عليها ورخص ثمنها «الحبة بـ10 جنيهات فقط»، وعلاقة ارتفاع حالات الانتحار بحبة الغلال، بسهولة الحصول عليها ورخص ثمنها، تم رصدها فى تصريحات عديدة لبعض المسئولين، من بينهم رئيسة مركز السموم بطب الإسكندرية التى قالت إن مركز الإسكندرية يستقبل سنوياً حوالى 2000 حالة انتحار بحبة الغلة من محافظة البحيرة وحدها،

 

لقد طالب عدد من نواب البرلمان بمنع استيراد هذه الحبة وتجريم تداولها، ولكن ما زال لدينا أشخاص يدافعون عن استيرادها بحجة أنه لا يوجد بديل آخر لحفظ الغلال من التسوس والإصابات الفطرية. والحقيقة أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة على الإطلاق، فدولة مثل فرنسا تخزن سنوياً أكثر من 50 مليون طن قمح تستخدم لتعقيمها وحفظها طرقاً آمنة صديقة للبيئة، وكذلك تفعل أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولا تكاد توجد دولة فى العالم تستخدم هذه المادة القاتلة غير مصر

 

فهل نفيق وننقذ أرواحاً شابة من الهلاك بهذه السهولة؟ وهل تصحو الأجهزة الرقابية إلى أن هناك طرقاً عديدة آمنة لحفظ الغلال، ولكن التربح الفاحش والإجرامي هو السبب الوحيد حتى الآن لهذا الادعاء بأنه لا يوجد لها بديل مناسب؟!.

وأسباب تناول الحبة، فهى إما كنوع من الخطأ كما يحدث غالبا مع الصغار والأطفال وأحيانا الكبار، وإما بقصد الانتحار عقب مشاجرات زوجية عنيفة أو وقوع الطلاق، أو للتهديد بالانتحار خاصة من قبل المراهقين، إثر خلاف مع الأهل أو أحد الوالدين، ولكن الحقيقة أن سمية هذه الحبة لا تدع مجالا للخطأ أو التهديد، ولا تتيح أى فرصة للتراجع أو الإنقاذ، إذ تتسبب فى حدوث الوفاة خلال ساعة على الأكثر،

لابد من وقفة من الأجهزة التنفيذية لمنع تداولها، وأسس مبادرة للتوعية بخطورتها بعنوان «لا لبيع حبة الغلة القاتلة».

حيث من السهل أن تتوجه إلى أقرب محل مبيدات زراعية وتشترى منه أنبوبة بها عشرين حبة لابد من تحركا يتمثل فى تشكيل لجنة لمراقبة بيع حبة الغلة، ومندوب  عن الإدارة الزراعية ومندوب الطب البيطري ومدير إدارة شئون البيئة، ومندوب عن الإدارة التموينية، وذلك لتنظيم بيع هذه الحبة القاتلة كحل مؤقت، على أن يتم عمل سجلات فى الأماكن التي يباع بها هذا المبيد السام، يدون بها اسم المشترى لهذه الحبة ورقمه القومي مع منع بيعها لصغار السن أو الشباب وتباع للكبار فقط، مع أخذ تعهد على المشترى بتحمل المسئولية