كتب – بسيونى الجمل :
يصدر قريبا كتاب جديد بعنوان مغاير «جمع تكسير» .. للكاتب الروائي والإعلامي المصري محمد جراح نائب رئيس الإذاعة المصرية سابقا .. يستعرض فيه فصولاً هامة عبارة عن شذرات من مشواره مع الحياة وسيرته الذاتية .. التي أخذ منها ما يناسب مقام الحال .. وصاغه في قالب روائي ولغة سردية متدفقة .. حتى أنزل ما كتبه منزل الرواية فجلست حتى تربعت فيه.
يقدم لنا الكاتب .. مزيجاً مما هو عام .. مع ما هو شخصي .. وأسماه «سيرة روائية» وهي سيرة ورواية تمتد تواريخها فتبدأ في منتصف حقبة الستينيات حيث تفتحت عينا الكاتب لأول مرة في منطقة «منشأة القناطر» .. التي تسكن مبتدأ فرع رشيد مع رافده الرياح البحيري .. حيث الرياض والبساتين والحقول والكُتَّاب والمدرسة وعبد الناصر وشعارات التقدم والقومية العربية والراديو بأناشيده.
كان ما يراه الفتى في ذلك التاريخ زخماً أدركه وعاشه مع الشعب المصري .. ليستيقظ الجميع على حدث جلل اسمه النكسة .. أبى الشعب أن يتقبلها وانتفض يرفضها ويعلن عزمه على مواصلة النضال ليس فقط من أجل استرداد ما ضاع .. ولكن لتأديب ذلك الذي اعتدى ودحره وهزيمته وتشتيته.
في تلك السنوات البعيدة تفتحت عين الفتى وعاش أحلام الكبار وفكر بعقولهم .. فرصد ملحمة حرب الاستنزاف وتدمير المدمرة إيلات واستشهاد الفريق عبد المنعم رياض على الجبهة .. وصولا لحرب اكتوبر المجيدة .. وعبور الجيش المصري لمانع قناة السويس وتدمير خط بارليف الحصين وتحرير جزء غال من سيناء .. وليكتب التاريخ صفحة جديدة في سجل جيش مصر العظيم الذي استطاع أن يقهر القوة التي ادعت أنها لا تقهر.
يتحدث الفتى عن مرحلة دراسته الإبتدائية .. وسار نحو اكتمال رجولته .. وبدأت مفاوضات فض الاشتباك مع إسرائيل .. ثم الانفتاح الاقتصادي .. وبداية تصفية شركات القطاع العام والخصخصة .. ثم قرار السادات بالسفر إلى اسرائيل وإبرام اتفاق سلام معها .. والمقاطعة العربية لمصر ثم مقتل السادات وصعود نائبه إلى سدة الحكم .. لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرة مصر.
وصل الفتى وقتها إلى المرحلة الجامعية .. منفتحا على عالم الحركة الإبداعية .. حتى أثر على تفوقه الدراسي .. واختار التاريخ والآثار تخصصا بعد أن خذله مجموعه في الثانوية العامة عن الالتحاق بكلية الإعلام .. ليحقق حلمه مذيعا بالإذاعة .. لكن ما تمناه تحقق ليصبح أحد العمد في خدمته الإذاعية التي اختارها دون غيرها.
انطلق الفتى مجتهداً وراصداً للتحولات المجتمعية .. ليسافر مضطرا إلى احدى دول الخليج .. وليبدأ من هناك إعادة نظام حياته ويعود إلى الكتابة الإبداعية ويتفاعل مع الحركة الثقافية من جديد .. فتنشر إبداعاته في الصحف والمجلات فيصدر كتابه الأول «الشونة» في مجال القصة القصيرة ثم يتبعه بروايته الأولى «العابدة» وتوالت بعدها الإصدارات.
يستعرض كتاب «جمع تكسير» خفوت الوهج المصري من خطط تقزيم ومحاولات حثيثة من قوى محلية مدعومة بأطراف إقليمية ودولية .. فرصد ظواهر إسكات أصوات المطربين بعقود إذعان مغرية .. ومثلما كان الحال في مجال الغناء صار كذلك في السينما والدراما التليفزيونية ثم الكتاب .. ليصبح المجتمع المصري بين عشية وضحاها قد صار مجرداً من أدوات تميزه ولتتقهقر مصر .. وليضيع إلى حد كبير تأثيرها لصالح أولئك الذين امتلكوا المال ووظفوه بذكاء حتى يتقدموا الصف .. وهو مالم ينكره الكاتب عليهم .. لكنهم بدلا من أن يكونوا قوة مساندة ومضافة أرادوا أن تكون لهم الكلمة العليا وحدهم.
جمع تكسير .. كتاب ورواية عبارة عن تأريخ واف لمصر وشعبها خلال فترة عصيبة تاريخ بدأت واستمرت ولم تنته فصول مأساتها حتى كتابة هذه السطور .. ولكأنما كان محمد جراح وهو يكتب لنا من تاريخه وسيرته .. قد كتب تاريخ مصر والمصريين خلال سنوات تزيد على الخمسين عاماً.
محمد جراح إعلامى وكاتب وروائي مصري ونائب رئيس الإذاعة المصرية سابقا .. قدم للمكتبة العربية مجموعة كبيرة من الإصدارات الأدبية والتاريخية .. ما بين الرواية والقصة القصيرة والبحث التاريخي .. كما أنه يوالي نشر مقالاته في الصحف والمجلات المصرية والعربية.
التعليقات مغلقة.