وفي العطر تسكن تفاصيل الراحلين
قصة قصيرة. للكاتب الصحفي والروائي محمد حسن حمادة
لفحها برد ديسمبر القارص فخلعتُ لها معطفي وألبستها إياه، كم كنت سعيدا عندما ساعدتها في رفع خصلات شعرها المنزوية أسفل المعطف لينسدل ويستقر فوقه ورغم حمرة الخجل التي بدت من وجهها كانت جميلة ومثيرة، إلى الآن لا أدري هل شعرت بمداعبة أصابعي لشعرها المصفوف المموه بخيوط ذهبية الذي كان كالشمس الدافئة التي أنارت العين وأشعلت لهيب القلب؟ جلسنا نرتشف القهوة الممزوجة برائحة المطر، تحاول أن تضع السكر في القهوة فنهرتها وأعلنت عليها الثورة والتمرد والعصيان وأصدرت فرمانا فوريا: من الآن لا سكر في حياتي إلا أنتي ياحبيبتي”. شكوت لها غيرتي من هذا المعطف الذي استقر فوق جسدها قبلي فضحكت حتى تكشفت ثناياها، ودمعت عيناها وفجأة انقبض قلبها ونظرت إليً وقالت (خير اللهم اجعله خير) قلت لها: بالله عليكي لا ترددي خزعبلات جدتي وجدتكِ عندما يفرحون ويضحكون من قلوبهم فيتطيرون ويتشاءمون”. قالت لي هو كذلك فما فرحت وضحكت هكذا من قبل إلا وبعدها…. قاطعتها بربكِ لا تكملي ثم وضعتُ يدي فوق شفتيها، وعند الرحيل خَلَعَتْ معطفي فانقبض قلبي وللأسف صدق حدسي وحدسها وافترقنا بعدها، مازلت محتفظا بهذا المعطف وعندما أشتاق إليها أفتح خزانتي وأشم رائحتها وكأنني ألقي نظرة على قلبي، وفي الشتاء يكون أول خياراتي فأرتديه حتى أستعيد رائحتها وذكرياتها فيتحول برد ديسمبر لربيع دافئ فيراودني شعور قوي بأنها معي، فتارة أمقت هذا المعطف لأنه يذكرني بالفراق وتارة أغبطه لأنه لامس جسدها ومازال يحتفظ بعطرها، وفي العطر تسكن تفاصيل الراحلين، وهذا حالي في كل شتاء يضطرب قلبي ويقتلني شيطان التفاصيل.
التعليقات مغلقة.