وزير الأوقاف: الشهادة في سبيل الوطن من أرفع درجات الشهادة
كتبت – سناء مقلد:
ألقى معالي أ.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خطبة الجمعة اليوم 6/ 10/ 2023م بمسجد أ.د محمد شوقي المتيني بالبنفسج بالتجمع الأول بحضور الأستاذ الدكتور إسماعيل عبد الغفار رئيس الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري والدكتور خالد صلاح الدين مدير مديرية أوقاف القاهرة وجمع غفير من رواد المسجد.
وفي خطبته أكد أ.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على منزلة الشهيد حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه ينثَعِبُ دمًا اللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ”، وأن الشهادة مرتبة عظيمة، وهي اصطفاء واجتباء من الله (عز وجل)، حيث يقول سبحانه: “وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء”، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه”، والشهادة معتقد وجزء من عقيدتنا الدينية والوطنية، فالشهادة إيمان بالله (عز وجل)، وإيثار للباقية على الفانية، وإدراك أن الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، حيث يقول الحق سبحانه: “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ”، فالإنسان أجله لا يتقدم ولا يتأخر، يقول سبحانه: “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ”، وقال سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وهو على فراش الموت: شهدت مئة زحف أو نحوها وما في جسمي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنا ذَا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا قرت أعين الجبناء، وكانت العرب قبل الإسلام تطلق على من مات على فراشه مات حتف أنفه؛ أي لم يمت ميتة عظيمة، وهذه المرأة الأعرابية التي كان لها سبعة من الأبناء يدافعون عن قبيلتهم ضد جيش كبير فصمدوا حتى قُتلوا جميعًا، فقالت:
أبوا أن يفروا والقنا في نحورهم
ولم يرتقوا من خشية الموت سلمًا
ولو أنهم فروا لكانوا أعزة
ولكن رأوا صبرًا على الموت أكرما
فما بالكم بمن يدرك أنه إذا مات شهيدًا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
وتقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ وهو صَحِيحٌ: إنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ فَلَمَّا نَزَلَ به ورَأْسُهُ علَى فَخِذِي غُشِيَ عليه سَاعَةً، ثُمَّ أفَاقَ فأشْخَصَ بَصَرَهُ إلى السَّقْفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى قُلتُ: إذًا لا يَخْتَارُنَا، وعَرَفْتُ أنَّه الحَديثُ الذي كانَ يُحَدِّثُنَا به، قالَتْ: فَكَانَتْ تِلكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “الجنَّةُ أقربُ إلى أحدِكم من شراكِ نعلِه، والنَّارُ مثلُ ذلِكَ”، فالمؤمن لا ينزعج من الآخرة وهو مستعد لها، وقيل لأحدهم ما حال فلان مع الله (عز وجل) قالوا لو قيل له: غدًا القيامة ما كان عنده مزيد عمل على ما هو عليه من العبادة، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ : عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ”، وهذا سيدنا بلال بن رباح (رضي الله عنه) لما حضرته الوفاة وبكت زوجته وقالت: واحزاناه، قال لها: بل واطرباه، غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه، وسأل رَجُل النبيَّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ” فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعلموا أن اليوم عمل وغدًا الحساب، وإلى أمرين لا ثالث لهما، إما إلى جنة عرضها السموات والأرض من نظر إلى نعيمها زال معه كل عناء وتعب، وإما والعياذ بالله نار من رءاها واصطلى بها نسي كل نعيم.
كما أكد أن المؤمن ينظر إلى الموت على أنه انتقال من حياة إلى حياة أخرى، فالموت ليس فناء محضًا، يقول سبحانه: “ولا تقولوا لمن يقتل في سَبيل الله أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون”، و يقول سبحانه: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، والحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة، حيث يقول سبحانه: “وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”، ولذا يقول (صلى الله عليه وسلم): “إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها” لماذا ولن ينتفع بها أحد؟ حبًّا للعمل وحبًّا للحياة، وعليك أن تعمل لأنك ستجازى، والمؤمن كلما أحس بدنو أجله اجتهد في طاعة الله (عز وجل)، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إذا بلغ الرجلُ من أُمَّتي ستينَ سنةً، فقد أعذرَ اللهُ إليه في العُمرِ”، مع أن الموت لا يأخذ شيخًا ويترك شابًا، فالحق سبحانه وتعالى يقول: “أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ”، ويقول سبحانه: “مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ”.
مؤكدًا أن الشهادة في سبيل الوطن من أرفع درجات الشهادة، ومصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وحماية الأوطان من الكليات الست التي أمرنا الشرع الحنيف بالحفاظ عليها، والحفاظ على الأوطان بحمايتها والدفاع عنها والعمل على رفعتها من صميم مقاصد الأديان، يقول شوقي:
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا
وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ
ويقول:
لنا وطنٌ بأَنفسِنا نَقيه
وبالدُّنيا العريضة ِ نَفتديه
إذا ما سالتِ الأرواحُ فيه
بذلناها كأنْ لم نعطِ شيَّا
نقوم على الحماية ما حيينا
ونعهد بالتمام إلى بنينا
وفيك نموت مصر كما حيينا
ويبقى وجهك المفدي حيًّا
نسأل الله العلى العظيم أن يتغمد جميع شهدائنا بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يلهم أهلم وذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على كل مصاب بالشفاء العاجل، وأن يحفظ مصر وأهلها من كيد الكائدين ومكر الماكرين، اللهم اجعل مصر في أمنك وأمانك وضمانك إلى يوم الدين.
التعليقات مغلقة.