مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

واقع الدروس الخصوصية ما بين الحرام والحلال

بقلم – حسن غريب:

عضو اتحاد كتاب مصر

صارت الدروس الخصوصية قنبلة موقوتة في معظم البيوت المصرية ؛وسوسا ينخر في عظام أولياء الأمور البسطاء والمحتاجين والغلابة ؛ فما من بيت إلا به ابن أو ابنة تدرس في المراحل المختلفة ما بين الابتدائية إلى الاعدادية ثم الثانوية العامة وما أدراك ما الثانوية العامة لولي الأمر ومعاناته ومكابداته في دفع ثمن الدرس الخصوصي كل شهر في شتى المواد الدراسية بحجة أن نجله أو نجلته حتما ولا بد أن تؤهل لكليات القمة ولا مناص أمامه سوى الدروس الخصوصية التي يتكبدها ولي الآمر ليحرم نفسه من الكثيرمن متطلبات ومستلزمات الحياة بل يقترض أو يبيع من اغراضه  كي يعطيها لمعلم الدروس الخصوصية في آخر الشهر بحجة أن المدارس لم تعد منتظمة ولا يتوجه لها الطالب إلا أثناء الامتحانات ونسوا أن هناك نسبة حضور لابد أن يسجلها الطالب بمدرسته ؛ ويبقى الضحية في المرتبة الأولى في كل هذه المعاناة ولي الأمر المغلوب على أمره والمطحون بسبب طمع وجشع معلموا الدروس الخصوصية فلقد وجدت ولي أمر يحرم نفسه وأسرته من أكل اللحوم طول الشهر ليدفع قيمة الدرس للمعلم ومنهم من يمتنع عن شراء دواء القلب والضغط ليوفر ثمن أجر الدرس وسيدة تبيع من ذهبها لتسدد قيمة الدرس وغير ذلك من مآسي ومواجع أولياء الأمور التي يتمزق منها نياط القلب فهل بعد كل هذا سيتقبل الله ممن يجبرون ولي الأمر على دفع ثمن الدروس بغير رضاه ومرغما على ذلك ؛ وليس هذا الآمر يقتصر على الثانوية العامة بل في شتى الشهادات من الكى جي وان وحتى الثانوية العامة والفنية ؛ لذلك عندما اقترح أحد النواب المحترمين بمجلس الشعب من عمل شرطة لمكافحة الدروس الخصوصية وتغليظ العقوبة لكل من يتم القبض عليه يعطي دروسا خارج عمله لتصل العقوبة إلى حد الفصل من عمله وتوقيع ىغرامة كبيرة عليه وكذلك تصل لمرحلة الحبس في حالة القبض عليه مرة ثانية وقد استقبل أولياء الأمور هذا المقترح بصدر رحب وبكل فرح وأريحية ؛ لكنه بكل أسى وأسف أصبح حبرا على ورق ولم يرى النور ؛ لذلك نجد التخبط والتعثر في مراحل التعليم المتفاوتة في وقتنا هذا لآن حكومتنا المحترمة لم تقدر بعد على اتحاذ خطوة جريئة وهامة ضد معلمى الدروس الخصوصية وطمعهم وجشعهم ؛ ومن هذا المنطلق نجد معلمي الدروس الخصوصية يعتمدون اعتمادا كليا على جني الأموال الطائلة إلى جانب وقوفهم بجانب زملائهم في صرف المرتب الشهري والحوافز بلا أي وجه حق أما زملاؤهم الذين لا يعطون دروسا ومرتبهم الذي يخصم منه منذ سنوات ولم يزداد جنيها واحدا فلهم الله يعينهم على ما ابتلاهم من جشع وطمع بعض الزملاء الذين صاروا يرفعون في البيان وغيرهم يقطن بالايجار إلى يوم الممات ويركبون السيارات الفارهة والاخرون يترجلون الميكروباص أو يسيرون على الأقدام مرغمين وبعد كل هذا لتجدهم يقفون صفا واحدا مع زملائهم محدودي الدخل ينادون بتحسين حال المعلم ماديا إنها نكتة وطرفة جعلتني انفجر في الضحك والبكاء على حالنا المتردي السئ ؛ لا أنكر انني كنت أعطي دروسا خصوصية في مجموعات بلا ضغط على الطالب ولا طلب زيادة في ايجار الشهر_وباجر زهيد لاغلوفيه_ وبعد عدة سنوات نظرت إلى نفسي وإلى زملائي الذين يعطون دروسا في المرحلة الابتدائية وأحيانا الاعدادية فوجدنا أن كل ما نجمعه من عدة جنيهات تصل إلى المئات كلها تنفق في علاج أنفسنا وأولادنا ولا يتبقى شئ مما نجمعه فعلمت أن أخذ الأموال حتى ولو كانت بدون اجبار على ولي الأمر إلا أنها نأخذها بغير رضاه وينظر اليها كثيرا قبل أن يعطيهالك لأنه يقطعها من ماله واحتياجاته فمن المستحيل أن يكون راضيا عنها فقررت من وقتها عدم اعطاء دروسا خصوصية تحت أي مسمى والاكتفاء فحسب بالدروس في داخل الفصل المدرسي  –وكان هذا في التسعينات – وحتى وقتنا هذا أعيش وأسرتي على ما أتقاضاه من مرتبي الزهيد وأحمد ربي وأشكره ؛ بالرغم من العروض الكثيرة لي للعمل بالدروس الخصوصية إلا أنني صممت على عدم  إعطاء دروسا خصوصية مرة أخرى _رغم حاجتي الشديدة للمال بصراحة _ لكنني وجدت أنها ليس فيها  خير ولا بركة ودوما تنفق بشكل غير مباشر وبسرعة في مرض أو مجال لا يبارك الله فيه  .

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب آخر الأسبوع

المقاومة الرقمية للسردية الفلسطينية

إن وقوف الحكومة عاجزة عن حل مشكلة معلمي الدروس الخصوصية وعدم ملاحقتهم ومعاقبتهم عقوبة مغلظة تكون عبرة وردع لباقي الطماعين والجشعين وتلقينهم درسا قاسيا يندمون عليه طيلة عمرهم هذا في حال تحرك الجهات المسؤلة ووضع خطة لمحاربة معلمي الدروس الخصوصية وضربهم بالقانون بكل قوة وردعهم الردع الملائم والمناسب أما غير ذلك فلا أعتقد الحال سيتبدل ويتحسن لا بل يزداد سوءا واضطرابا لطالما يخرجون السنتهم لكل من يحارب الدروس الخصوصية وينادي بالعودة للمدارس والالتزام بالعمل بها لا بل ويزداد الآمر سوءا في طلب زيادة التسعيرة وارتفاع سعرها مقابل الدروس بحجة أن كل شئ ارتفع ثمنه ؛ انها بجاحة ووقاحة لن ولم يردعها إلا بقرار جمهوري جرئ بمعاقبة كل من يمارس مهنة الدروس الخصوصية خارج مقر عمله بالفصل النهائي والحبس والغرامة ؛ وقتها فحسب سنصلح حالنا ويتبدل للأحسن أما غير ذلك فلا يمكن أن أرى ثمة نفق يخرجنا مما نحن فيه من معاناة ومكابدات وهموم وأوجاع وعوز وأخيرا أتوجه برسالة  إلى زملائي المعلمين والمعلمات :

لا ترغم تلميذا على الاشتراك في درس خصوصي أومجموعة تقوية, من أجل جلب الرزق , المال ليس فقط هو الرزق فالصحة وراحة البال والزوجة والأبناء رزق, وأهم رزق هو رضا الله عنك , فلو تعلم كم الدعوات على المعلمين الذين همهم الأكبر جمع المال وفقط , تخيل عندما توصي أحد الأمهات زوجها بألا تزوج بنتها لمعلم أو محامي أو يختار لابنه معلمة أو محامية لأن أموالهم حرام .

.​

 

اترك رد