هندسة العولمة … حلقة 2
بقلم دكتور -هشام فخر الدين:
لا شك أن العالم أصبح بجلاء عالماً رقمياً، يتسع لكافة البشر أينما كانوا ومهما كانوا، فلم تعد الثورة الاتصالية حكراً على أحد، بل تعدت في حدودها من لديه معرفة بها أو من لا يعرفها.
من هنا عمدت هندسة العولمة إلى التأثير غير المتبادل على مجمل التفاعلات والتوجهات والقرارات والميول لشعوب العالم خاصة النامى، وسبل الدعم والقبول والرفض لأفكار ومفاهيم وقيم وسياسات وإستراتيجيات بعينها.
فضلاً عن تبني أيديولوجيات وسلوكيات جماعية براحماتية، بهدف فرض نمط الحياة والتفكير والسلوك الغربى الذي يصنع البيئة المناسبة لمصالح دولة أو تكتل أو تحالف لوجيستى متكامل على كافة الأصعدة، فضلاً عن الثقافي، وذلك حسب الموقف والغاية والهدف والموضوع، حيث يسعى مهندسو العولمة إلى إبجاد النمطية في السلوكيات والتطبيع الكامل بين الثقافات مع سيادة ثقافة العولمة بما تحمله من فرص وتحديات.
باعتبارها المنقذ والمحرر من كافة القيود بكافة أنواعها، واعتبارها بأنماطها الثقافية الغربية طوق نجاة، فضلاً عن كونها أهم وسائل لدحض الهوية وإيجاد الإنسان ذو البعد الواحد صاحب الهوية والمواطنة العالمية، حيث إختفاء القوميات وسيادة الدولة، بالتوجه نحو العالمية حيث اللادولة واللامواطنة واللا قومية حيث النمطية.
فهى تمثل خدعة لإلهاء الشعوب عن الغزو والمصالح الاقتصادية، عبر تصدير صراعات الحضارات للنطق بما كان مسكوتاً عنه سلفاً، ولتحويل العالم إلى دوائر حضارية متجاورة، ومتصارعة على مستوى الثقافات لإخفاء الصراع حول المصالح والثروات، وإلهاء الشعوب الهامشية بثقافاتها التقليدية، بينما حضارات المركز تجمع الأسواق، وتتنافس في فائض النتاج عوداً إلى النغمة القديمة، مادية الغرب وروحانية الشرق. وتعتمد جهود هندسة العولمة على الهيمنة وإيجاد جيلاً رقمياً، والأساليب العلمية المتعارف عليها في جمع البيانات، وتحليلها، والوصول إلى إستنتاجات محددة.
فــــــــــ هندسة العولمة هي من صنع الهندسة الاجتماعية والسياسية، الصراعات والنزاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتحول إلى النمطية في التفكير والاضطرابات وحالات الفوضى على مستوى الداخل أو الخارج، وكل ذلك عار من الإرتجال والمصادفة حيث إن ما يحدث وما شهدناه من مخططات للاضطرابات والفوضى وتكرار نفس السيناريو في شتى دول الجوار في 2011 كان أمراً مخططاً بإحكام، وأوجدت له مقدمات تمهد بدورها الأرضية الصلبة لإجراء التغيير المرغوب، والذي يخدم مصالح القوى والتكتلات الكبرى، والتي تتغير بتغير المصلحة والمستهدفات المرحلية.
ولذلك أبدع مهندسو العولمة في الخداع الممنهج لسكان العالم عبر كسب الثقة وفرض النمطية التي روجت لها مؤسسات العولمة عبر آلياتها وخاصة الإعلامية لنشر ثقافة القطب الواحد والمتناقضة شكلاً ومضموناً مع ثقافات الدول النامية والمستهدفة من جانب مهندسو العولمة عبر عولمة السلوكيات والأذواق والتوجهات تحت ما يعرف بخدعة أو حيلة الثقة والتوجه الإنساني والسلام العالمي، وخطر الكوارث الطبيعية التي تسببها أمور مختلف عليها علمياً. ولا يمكن إثباتها مخبرياً، من خلال جعلها حقيقة مسلم بها، حتى في الوسط العلمي بمعنى اكتساب ثقة الطرف الآخر، ثم خداعه والتحايل عليه، لجعله هو من يقوم بتنفيذ الأجندات المطلوبة دون تدخل مباشر. ومن ثم حدوث ما يسمى بالإختراق الثقافي مع قرصنة البيانات الشخصية والفكرية والمسلماتهم الأخلاقية والروحية والتلاعب النفسي الممنهج، عبر التشكيك في الثوابت.
ويتبع ذلك نظام إحتيال معقد، مع ظهور الأزمات المالية والجائحات، وستليها الأزمات الغذائية والمائية لتكون بمثابة ضرورة لتأصيل بعض ركائز عولمة الأزمات.
التعليقات مغلقة.