مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

هل يدق اليوان الصيني العرش دولار الأمريكي؟

بقلم الدكتور: خالد فواز

في عام 1944، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اجتمعت 44 دولة في أمريكا لوضع نظام جديد للعملات. كان الهدف من ذلك هو تعزيز الاستقرار الاقتصادي بعد الحرب. في ذلك الوقت، تم اعتماد الدولار الأمريكي كعملة عالمية رئيسية، مما جعله العملة المرجعية في العالم. كان هذا التحول بديلاً عن الجنيه الإسترليني، الذي كان يسيطر على الاقتصاد العالمي قبل الحرب.

في عام 1944، ربطت الولايات المتحدة الدولار بالذهب، مما جعل الدولار يساوي 1/35 من أونصة من الذهب. هذا النظام جعل الدولار يتمتع بقيمة ثابتة ومستقرة. ومع ذلك، في عام 1971، أوقف الرئيس الأمريكي نيكسون ربط الدولار بالذهب، مما أدى إلى تحرير قيمة الدولار وتحوله إلى عملة متعويمة.

في عام 1974، بعد انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية، دعت الولايات المتحدة الرجل المسمى بـ”الثعلب”، هنري سينجر، للعمل على إبقاء الدولار قويًا. سينجر زار السعودية وأبرم اتفاقًا مع الملك فيصل لبيع النفط بالدولار. كما وافقت السعودية على استثمار الأموال التي تحصل عليها من بيع النفط في الأوراق المالية الأمريكية.

كان الهدف من هذا الاتفاق هو إبقاء الدولار قويًا وضمان استمرار استخدامه كعملة عالمية رئيسية. ومع ذلك، كان هناك بعض الشروط التي وضعها الملك فيصل، مثل انسحاب إسرائيل من أراضي فلسطين واعترافها بدولة فلسطين.

بالإضافة إلى ذلك، وافقت الولايات المتحدة على بيع أي سلاح أو تكنولوجيا تريدها السعودية. ومع ذلك، في عام 1975، تم اغتيال الملك فيصل، مما أثر على العلاقات بين البلدين.

لكن الاتفاق بقي ساريًا لمدة 50 عامًا، مما جعل الدولار يظل العملة الرئيسية في العالم. ومع ذلك،

في عام 2024، تم وقف الاتفاق المذكور، وكانت المملكة العربية السعودية أول دولة ترفض تجديد هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة. هذا الأمر يقودنا إلى ملاحظة أخرى، حيث تبدأ السعودية في التركيز على تنويع اقتصادها وتعزيز الصناعات المحلية. ويذكرنا هذا بتصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي خشي من أن التعامل بالدولار قد يصبح صعبًا في السنوات القادمة.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير : لا تحاول أن تعيش في جلباب غيرك

الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر تركيا دروب الموت والابتزاز

ومن هنا، يأتي دور نظام “بريكس”، الذي تم تأسيسه في عام 2009 بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويضم البرازيل وروسيا وكندا والصين. عندما انضمت جنوب إفريقيا في عام 2010، تم تسميته بـ”بريكس”. هذا النظام يهدف إلى تعزيز التعامل بعملات محلية بدلاً من الدولار في التجارة الدولية.

وفي عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 12.1 تريليون دولار، بينما بلغ إجمالي الناتج المحلي لدول “بريكس” في عام 2021 نحو 73.24 تريليون دولار، مما يشكل نحو 29% من الناتج العالمي البالغ 96.15 تريليون دولار. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمتلك 23 تريليون دولار وتشكل 30% من الاقتصاد العالمي، إلا أن دول “بريكس” تفوقت بنسبة 31%.

وبالنظر إلى مساحة الأرض التي تغطيها دول “بريكس”، فإنها تشكل 27% من إجمالي مساحة الكرة الأرضية، مما يعني أن نحو 40% من سكان العالم يتعاملون بنظام “بريكس”.

وفي الأيام الأخيرة، تعهدت الولايات المتحدة مع سبع دول عظمى في اجتماع في أمريكا بتجميد أصول روسيا البالغة 300 مليار دولار، بالإضافة إلى دعم أوكرانيا بمبلغ 50 مليار دولار من أموال روسيا. ومع ذلك، لم تؤثر هذه الإجراءات على روسيا، حيث أعلن الرئيس بوتين أن الدولار سيفقد مكانته كعملة مرتبطة بالبترول، وقرر وقف التعامل بالدولار واليورو في البورصات الروسية.

وفي هونغ كونغ، على الرغم من اعتبار الدولار الأمريكي العملة الرسمية، إلا أن اليوان الصيني بدأ يحل محله بنسبة 55% في البورصة الروسية، بعد أن كان يشكل 3-4% فقط.

في الفترة الأخيرة، شهدت العلاقات التجارية بين روسيا والصين نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت التجارة بين البلدين إلى 250 مليار دولار، مقارنة بـ 1 مليار دولار أو أقل قبل عامين. هذا الارتفاع يعادل ثلاثة أضعاف القيمة السابقة. تشمل هذه التجارة استيراد الصين للنفط والغاز من روسيا مقابل الروبل، وفي المقابل، تقوم روسيا باستيراد المواد الغذائية المصنعة وبعض السلع الأخرى التي تحتاجها من الصين مقابل اليوان الصيني.

مع انضمام مصر، إيران، والإمارات إلى نظام بريكس، إلى جانب تفكير بعض الدول الأخرى مثل تركيا، أصبح نظام بريكس أكثر قوة وتنظيمًا. يسمح نظام بريكس باستخدام اليوان الصيني والعملات الأخرى التابعة للنظام في التعاملات التجارية بين الدول. كما شهدت الأرجنتين خروجًا من التعامل بالدولار وبدأت في التعامل مع البرازيل باستخدام العملات المحلية لكل دولة. على سبيل المثال، تتعامل البرازيل مع الصين في بعض السلع المستوردة باستخدام اليوان الصيني.

هذه التطورات تشير إلى أن الصين تتجه نحو التربع على عرش الاقتصاد في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى زوال الدولار من مكانته الريادية. هذا التحول يبدو وشيكًا، ولكنه يتطلب بعض الوقت قبل أن تكتمل الاستعدادات الصينية. تقوم الصين بتخزين الأغذية والمعادن، وشراء الذهب، مع التركيز على تأمين مصادر دخلها وتجنب تجميد الأموال في الولايات المتحدة.

يمكن القول إن يوم تصريف الدولارات يمثل بداية حقبة جديدة للصين في عرش الاقتصاد العالمي، سواء في الشرق أو الغرب. مع ظهور نظام بريكس، يتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل اعتماد الدول المتقدمة على الدولار تدريجيًا، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على العملات الأخرى وتعزيز قيمتها الاسمية والفعلية. هذا التحول سيتطلب من كل دولة في نظام بريكس أن تميز نفسها في التجارة مع الدول الأخرى، مما يجعل عملتها أكثر جاذبية وقيمة.

التعليقات مغلقة.