مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

هل تنجو النساء؟

كتبت -يارا زرزور:

منال نجيب، سيدة مصرية وأم لثلاث بنات وولد، كانت رمزاً للقوة والصبر في مواجهة العنف الأسري، لمدة عشرين عاماً، تحملت منال الضرب والإهانة والتهديد بالقتل على يد زوجها، الذي لم يكن يتردد في ممارسة العنف النفسي والجسدي ضدها، ومع مرور الوقت، تزايدت معاناتها، وأصبحت حياتها عبارة عن سلسلة من المعارك اليومية للبقاء على قيد الحياة.

 

في 22 يناير، وبعد سنوات من الخوف والصمت، قررت منال الانفصال عن زوجها لحماية نفسها وأطفالها، ولكن ما كان ينبغي أن يكون خطوة نحو الأمان، تحول إلى مأساة، ففي لحظة من لحظات غضبه، صعد زوجها إلى الطابق العلوي، بعد أن أغلق الباب على الأطفال في الطابق السفلي، وقام بضربها ضرباً مبرحاً حتى تهشم رأسها، كانت تلك اللحظات هي بداية النهاية، تعرضت منال لنزيف في المخ وأجريت لها عمليات جراحية حرجة، وأُزيل جزء من جمجمتها، وبعد شهر كامل من الصراع مع الموت داخل المستشفى، رحلت منال في 23 فبراير الماضي.

 

ما هو أكثر من صادم في هذه القصة هو الحكم الذي صدر بحق القاتل، فبعد أن قتل زوجته بدم بارد، كان جزاءه السجن لمدة سبع سنوات فقط… هل هذا يعكس عدالة حقيقية؟ هل هذا هو العقاب الذي يستحقه من مارس العنف والقتل ضد زوجته؟ الإجابة هي .. لا، وهذا ما يجعلنا بحاجة ملحة لتعديل القوانين التي لا تحمي النساء بشكل كافٍ من العنف الأسري.

القوانين الحالية في الكثير من الدول، بما في ذلك مصر، تعاني من العديد من الثغرات التي تجعل من الصعب على النساء الهروب من دائرة العنف، فعلى الرغم من وجود بعض التشريعات التي تعاقب على العنف ضد النساء، إلا أن العقوبات لا تكون في الغالب رادعة بما يكفي، مما يسمح للجناة بالتحايل عليها أو الحصول على أحكام مخففة، وتمنح الجاني فرصة للهروب من العقاب الحقيقي، بل تساهم في استمرار دائرة العنف ضد النساء.

 

إن قوانين حماية النساء من العنف يجب أن تكون صارمة وتضمن تطبيق العدالة بشكل كامل، يجب أن يتم تعديل تلك القوانين بحيث تشمل عقوبات رادعة بحق الجناة، حتى لا يتكرر هذا النوع من الجرائم، بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير آليات دعم فعالة للنساء المعرضات للعنف، مثل توفير أماكن آمنة، برامج تأهيل نفسي، ومساعدات قانونية تسهل عليهن اتخاذ خطوات قانونية ضد المعتدين.

 

قد يهمك ايضاً:

“الطفولة والأمومة” يشيد بالحكم الصادر في قضية…

دراسة: فقدان السمع لدى كبار السن يرتبط بتدهور القدرات…

ما حدث مع منال ليس حالة فردية، بل هو واقع تعيشه آلاف النساء في مجتمعاتنا يومياً.

ولا يمكننا أن ننسى الفنانة التشكيلية آية عادل، التي كانت أيضاً ضحية لعنف زوجها، آية، التي عُرفت بحسّها الفني وموهبتها الهادئة، وجدت مصرعها بعد أن سقطت من نافذة غرفتها، في واقعة حملت كل ملامح العنف الأسري، رغم محاولات التبرير والتشكيك، كانت آية تُقاوم في صمت، مثل كثيرات، إلى أن انتهى بها الأمر جثة هامدة لا تجد من يطالب بحقها إلا بعد فوات الأوان، رحلت آية، لكنها تركت خلفها تساؤلاً مريراً: كم امرأة يجب أن تسقط من النوافذ، وتُضرب حتى الموت، وتُدفن في صمت، حتى تتحرك القوانين؟.

 

ومع كل قصة مأساوية مثل هذه، يجب أن نصر على تعديل القوانين لحماية النساء وضمان حقهن في الحياة الكريمة، لا يمكن أن تستمر القوانين التي تمنح الذكور حصانة من العقاب بينما يُترَك الضحايا يعانون في صمت، يجب أن يكون هناك تغيير حقيقي، قانوني واجتماعي، لضمان أن تكون حياة النساء مقدسة وأن يُحاسَب كل من يتسبب في إلحاق الأذى بهن.

 

نحن لا نملك ترف الانتظار بينما تسقط المزيد من النساء ضحايا للعنف كل يوم، لا يمكن أن نكتفي بالحزن أو الغضب، أو أن نحمل ذكرياتهن كقصص مأساوية تُروى ثم تُنسى، نحن نحتاج إلى قانون يردع، وعدالة تنصف، ومجتمع يسمع ويؤمن بأن حياة النساء ليست هامشاً، بل هي جوهر العدالة وكرامة الإنسان.

إلى متى سيُعتبر العنف شأناً عائلياً؟ إلى متى ستُخفف الأحكام؟ إلى متى سنُحمّل الضحية ذنب نجاتها أو موتها؟.

إلى متى سيُغلق الباب على النساء في الطابق السفلي بينما يصعد القاتل دون رادع؟
إلى متى سنردد أسماءهن كأننا نرثي الماضي، ولا نحمي الحاضر؟

في وجه كل هذا الظلم، لا يزال السؤال قائماً، موجعاً، مؤرقاً: هل تنجو النساء؟