نظرة سريعة على الربط الكهربي
بقلم – الدكتور على عبد النبي:
تلعب الطاقة الكهربائية دائماً دوراً مهماً فى الاقتصاد العالمى والسياسة والتنمية. يتجه استهلاك الطاقة الكهربائية حول العالم نحو النمو السريع. وتشكل الكميات المتزايدة من انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون المتعلقة باستهلاك الطاقة الكهربائية تحدياً كبيراً للبلدان المتقدمة والنامية. نظراً لأن الطاقة الكهربائية تعتبر محركاً للزراعة والصناعة، بذلك تعتبر الطاقة الكهربائية مقياسا للقوة ومستوى التنمية المستدامة.
توصيل الكهرباء من محطات توليد الكهرباء إلى المستهلكين فى دولة ما، يتم من خلال شبكة كهرباء. وشبكة الكهرباء عبارة عن وسط مادى يربط ما بين محطات توليد الكهرباء وبين المستهلكين. مكونات الوسط المادى الرئيسية هى: كابلات (خطوط نقل كهرباء)، من الممكن أن تكون خطوطا هوائية معلقة على أبراج، أو كابلات أرضية أو كابلات بحرية.
الكهرباء الخارجة من محطة توليد الكهرباء يتم رفع جهدها بواسطة محولات رفع الجهد، لنقلها لمسافات بعيدة وتقليل الفاقد على الخط (الفاقد هو حاصل ضرب مربع التيار فى مقاومة الخط)، مثال، يتم رفع الجهد إلى 500 كيلو فولت أو إلى 220 كيلو فولت. فالخط الواصل بين السد العالى فى أسوان وبين القاهرة، هو خط 500 كيلو فولت، وهذه الخطوط تسمى خطوط نقل، والتى تكوّن شبكة النقل.
ثم لتوصيل الكهرباء إلى المستهلكين، يتم خفض جهد الكهرباء الموجودة على خطوط النقل بواسطة محولات خفض الجهد، مثال، إلى 20 كيلو فولت، أو إلى 400 فولت للاستهلاك المنزلى. ويتم توزيع الكهرباء على خطوط التوزيع (شبكة التوزيع) لتوصيلها إلى العملاء.
إذاً مكونات شبكة الكهرباء الرئيسية هى: محطات توليد كهرباء، ومحطات محولات، وشبكات خطوط نقل، وشبكات توزيع، ومراكز تحكم، وأنظمة وقاية وأنظمة اتصالات وأنظمة أخرى مساعدة. وتختلف الشبكات الكهربائية فى الحجم والسعة من دولة إلى دولة.
إذا كان لكل دولة شبكة كهرباء خاصة بها، فلماذا يتم ربط شبكات الكهرباء بين الدول (الربط الكهربى)؟.
أهم الأسباب التى تؤدى إلى الربط الكهربى بين الدول هى: اقتصادية، وبيئية، وسياسية.
الأسباب الاقتصادية: إذا كان اقتصاد الدولة ضعيفا، بحيث لا يسمح بالتوسع فى انشاء محطات توليد كهرباء جديدة، فى هذه الحالة تقوم الدولة بشراء الكمية المطلوبة من الكهرباء من الدول المجاورة. أو إذا كانت هناك تحالفات اقتصادية بين بعض الدول، ويكون الربط الكهربى بين شبكات دول التحالف عنصرا من عناصر التكامل الاقتصادى. أو إذا كان شراء الكهرباء من دول الجوار أرخص من توليد الكهرباء داخل البلد. أو إذا كان الغرض هو تبادل الطاقة الكهربائية بين الدول، للاستفادة من فرق التوقيت الزمنى بين الدول، بحيث يتم تغذية الأحمال الكهربائية ساعة الذروة من كهرباء دول الجوار.
الأسباب البيئية: إذا كانت المصادر التى تعتمد عليها الدولة فى إنتاج الكهرباء، مصادر أحفورية (بترول، غاز طبيعى، فحم)، وهى مصادر ملوثة للبيئة، وتريد الدولة الحد من استخدام هذه المصادر، وهى لا تمتلك مصادر طاقة متجددة كافية (طاقة شمسية، طاقة رياح، طاقة مائية) لتلبية احتياجاتها، فى هذه الحالة تقوم الدولة بشراء الكهرباء من الدول المجاورة.
الأسباب السياسية: إذا افتقرت الدولة للاستقرار السياسى، فهى مضطرة لشراء كهرباء من دول الجوار، لحين عودة الاستقرار السياسى مرة أخرى، والذى يتيح لها التوسع فى مشروعات الكهرباء. أو إذا كانت الدولة قوية سياسيا وتكنولوجيا وتريد الكسب المادى من بيع الكهرباء، أو تريد الكسب السياسى من خلال الهيمنة على سوق الكهرباء.
أول عملية ربط كهربى بين شبكات الدول كانت فى أوروبا عام 1906، عندما أقامت سويسرا ربطا كهربيا مع فرنسا وإيطاليا.
التيار المتردد Alternating current (AC): يعكس اتجاهه بشكل دورى “متغير مع الزمن”، وهو فى شكل موجة “جيبية”. تغيير الاتجاه 120 مرة فى الثانية بالنسبة للتردد تعنى 60 هيرتز، وتغيير الاتجاه 100 مرة فى الثانية بالنسبة للتردد تعنى 50 هيرتز. التيار الكهربائى على شبكات التوزيع وشبكات النقل هو تيار متردد ذو ثلاث أوجه.
التيار المستمر Direct current (DC): قيمة التيار والفولت ثابتة لا تتغير مع الزمن، مثل تيار البطارية.
يوجد نوعان من الربط الكهربى بين شبكات الدول، ربط كهربى متزامن، وربط كهربى غير متزامن. الربط الكهربى المتزامن، وهو الربط ما بين شبكات كهرباء تيار متردد ثلاثى الأوجه. والربط الكهربى غير المتزامن، وهو الربط الكهربى باستخدام التيار المستمر.
ربط كهربى متزامن … لربط شبكات التيار المتردد ثلاثى الأوجه، لابد من تطابق هذه القيم بين الشبكات: الجهد “الفولت”، قيم التردد “50 هرتز أو 60 هرتز”، قيم زاوية الوجه، ترتيب الفيزات. هناك اختلافات تكنولوجية وتشغيلية يمكن أن تجعل العملية المتزامنة صعبة للغاية أو مكلفة للغاية، لكن أحد الإنجازات الهندسية العظيمة فى القرن الماضى، كان تطوير شبكات كهرباء التيار المتردد المتزامنة الكبيرة، حيث تحافظ جميع الأنظمة المترابطة على نفس التردد.
ربط كهربى غير متزامن … فى هذا النظام تستخدم توصيلات ربط كهربى للتيار المستمر عال الجهد High voltage direct current (HVDC). يسمح الـ HVDC بالترابط غير المتزامن للشبكات التى تعمل بترددات مختلفة، أو غير متوافقة أوهناك اختلافات تكنولوجية وتشغيلية. فى هذه الحالة يتم تبادل الطاقة الكهربائية دون الحاجة إلى تنسيق محكم لشبكة متزامنة. تتمتع الـ HVDC بمزايا أخرى، وهى إمكانية نقل كميات كبيرة من الطاقة عبر مسافات طويلة جداً.
خطوط نقل الكهرباء، إما تكون خطوطا هوائية أو تحت الأرض أو تحت سطح البحر. الخطوط الهوائية (العلوية) هى الأكثر شيوعا، وتستخدم أبراجا لحمل الكابلات وعوازل لعزل الكابلات عن الأبراج. الكابلات تحت الأرض وتحت سطح البحر، تستخدم عندما تكون الكابلات الهوائية غير مناسبة، بسبب الاعتبارات البيئية أو اعتبارات التضاريس والجيولوجيا واستخدام الأراضى.
يتطلب النقل تحت سطح البحر استخدام كابلات خاصة، تختلف تماما عن الكابلات الأرضية والخطوط الهوائية. ويمكن استخدام كابلات بحرية للجهد العالى المتردد AC، أو تستخدم كابلات بحرية للجهد العالى المستمرDC.
هناك نوعان رئيسيان من كابلات التيار المستمر “أحادى القطبية وثنائى القطبية”. على العموم نظام النقل بالتيار المستمر يحتاج إلى قطبين موجب وسالب، سواء وضعت الأقطاب كل على حدة، أو معا فى كابل واحد.
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية نموا سكانيا واقتصاديا سريعا، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة الكهربائية. ورغم أن الطاقة المتجددة (طاقة شمسية وطاقة رياح) أصبحت توفر مورداً بديلاً لتلبية الطلب على الطاقة الكهربائية، إلا أن الوقود الأحفورى التقليدى لا يزال يمثل الأغلبية فى تلبية الطلب المحلى من الطاقة الكهربائية.
نظرا لأن الطلب على الطاقة ضخم جدا لدرجة أن مصادر الطاقة المحلية وحدها غير كافية لتلبية الاحتياجات، فالآن أصبحت الحاجة ملحة للربط الكهربى بين دول المنطقة العربية، والتى تتيح تبادل الطاقة الكهربائية عبر الحدود.
يوفر الربط الكهربى فوائد إضافية بالنسبة للنظم الكهربائية المترابطة، مثل، تحسين موثوقية النظم، وتقليل هوامش احتياطى الكهرباء فى كل نظام، ودعم القدرة الغير فعالة، والاستفادة من تبادل الطاقة أثناء ساعات ذروة الأحمال اليومية والموسمية، والاستفادة من فروق تكاليف إنتاج الكهرباء (سعر الكيلووات ساعة). كما أن تجارة الكهرباء عبر الحدود يمكن أن تساعد فى تقليل الاستثمارات المطلوبة فى التوسع فى إنتاج الكهرباء، لذلك من الأجدى الحفاظ على نسبة 15% المتعارف عليها كاحتياطى، وعدم الاستثمار فى بناء محطات بغرض التصدير فقط.
هناك أمثلة مشرقة للربط الكهربى بين مصر وبعض الدول العربية، منها:
الربط مع الأردن، تم فى أكتوبر1998، على جهد ربط 400 كيلوفولت، ومن المنتظر رفع السعة الحالية لخط الربط لتصبح 2000 ميجاوات بدلا من 450 ميجاوات، مما يتيح إمكانية التصدير إلى لبنان وسوريا والعراق.
الربط مع ليبيا، تم فى مايو 1998، على جهد ربط 220 كيلوفولت، وجارى الانتهاء من إنشاء خط برج العرب / مطروح على الجهد 500 كيلوفولت.
الربط مع السودان، تم فى أبريل 2020، على جهد ربط 220 كيلوفولت، بقدرة 60 ميجاوات، وسوف تبلغ قدرة مشروع الربط 300 ميجاوات فى 2021، ومع التوسع فى المشروع ستصل قدرة الربط إلى 3000 ميجاوات.
الربط مع السعودية، يهدف مشروع الربط إلى تبادل بقدرة 3000 ميجاوات، بتكنولوجيا النقل بالجهد العالى ذى التيار المستمر HVDC، ثنائى القطب، على جهد 500 كيلوفولت.
الربط مع دول الخليج، فى 5 نوفمبر 2019، تم توقيع مذكرة تفاهم مع الأردن من جهة، وهيئة الربط الخليجى من جهة أخرى، وذلك لربط شبكتى مصر وشبكة ربط دول الخليج من خلال الأردن.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.
التعليقات مغلقة.