نحن والعالم ورسالة الكرونا
نحن والعالم ورسالة الكرونا
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
ما الكرونا؟ هو فيروس معدي متعدد المراحل، ظهر في العالم كله، وقد اجتهد العالم كله في دراسته، ومحاولة الوصول لعلاج له، مع اتخاذ أفضل الطرق للتعامل معه، ووقف انتشاره، والتحكم في حركته. بعض الدول متفائلة، تبشر بقرب الوصول إلى علاج له، وبعض الدول في حيرة من أمرها نتيجة تعثرها في الوصول لكُنْه الفيروس، ولم تصل إلى طريق علاجه، وبعض الدول تسمع وتنتظر، مع القيام بما يُمْلى عليها من اجراءات احترازية. ومع الخسائر الاقتصادية التي تتزايد يوما بعد يوم، تغامر الدول، بإفراج جزئي عن أنشطتها، من أجل تقليل هذه الخسائر.
لاشك أن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها كافة الدول تستهدف تقليل عدد المصابين بهذا الفيروس، ومن ثم تقليل عدد ضحاياه. لكن الذي يلفت النظر أن جميع الدول مازالت تتبع نفس سياساتها الداخلية والخارجية، وهو ما ينبغي أن نتوقف عنده لنتساءل: أليس من الواجب أن نتوقف مع وباء عنيد مثل فيروس الكرونا لكي نرى كيف أن التقدم العلمي الذي أحرزه العالم، وتباهي به الدول الكبرى، لم يسعفنا في إيجاد علاج لوقف هذا الفيروس؟! مع أن هذه الدول تعرف ترجيحا أسباب ظهور هذا الفيروس، وكيفية انتشاره!
إن هذا التوقف هو ما يدفعنا للشك في أن المنهج الذي تتبعه الدول الكبرى، والذي تنساق وراءه الدول الأخرى، ليس المنهج المناسب لمواجهة هذا الفيروس؟ ألا يدفعنا هذا الشك إلى أن نفكر في منهج جديد ربما يكون أكثر فاعلية من المنهج المتبع؟
معظم قيادات العالم التي تقود العمل من أجل مواجهة هذا الفيروس، إن لم تكن كلها، تتعلق بالتجارب المعملية، وهي تجارب مادية، تقوم على الحسابات المنطقية! مع العلم أن فيروس الكرونا قد عبر بشكل واضح عن عدم منطقيته، وإلا كانت القيادات البحثية قد اتفقت على مسار محدد للتجارب المعملية، لكن كلا منها يسير في طريق خاص، مما يجعل المادية الجدلية أساسا للبحث العلمي في مواجهة هذا الفيروس.
إن أفضل طريق للخروج من مأزق الكرونا هو التوقف للمراجعة، كل في إطار اعتقاده، ما هي الرسالة التي يحملها فيروس الكرونا ممن أرسله للعالم كله، وأن يقوم كل توجه بفك شيفرات الرسالة، وعندها يدرك حقيقة هذا الفيروس، ومن ثم كيفية التعامل معه، ووقفه.
إن أكثر الدول التي لديها فرصة حل شيفرة الرسالة الفيروسية هي الدول الإسلامية، إذا خرجت من إطار الفكر الغربي والسياسات الغربية الدولية، ورجعت إلى أصوليتها الدينية، لكي تدرك أنه ما من شيء في العالم يمكن أن يكون بهذا الابتلاء الغامض ما لم يكن من عند القادر عليه، وقد ثبت تخبط النظام العالمي مما يجعله غير أهل ليكون مبتكرا لهذا الفيروس ومروجا له، ومن ثم معالجا له!
إن أفضل طريق لمعرفة سر الكرونا هو أن ننفذ نصيحة الله في قوله: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا!(سبأ٤٦) والتفكر يبدأ بالمراجعة: ماذا نقول؟ وماذا نفعل؟ وما هو اتجاهنا؟ وكم استفدنا من ديننا؟ وكيف نفذنا من أوامر ربنا؟ فإذا كانت النتيجة سلبية، فعلينا أن ننظر في قول الله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.(الرعد١٤) ثم نعد الله بصدق أن نقوم بتغيير المنهج وخططه وآلياته، لكي تتواءم مع أوامر الله، ثم نبدأ بوعي وبفكر مبتكر وعزيمة صادقة مخلصة لله في عملية التغيير، على أن يشمل التغيير من الأفراد إلى الأسر، إلى التجمعات والأحزاب، إلى الحكومة والإدارة. هنا فقط يكون لدينا الأمل في الخروج من هذا الابتلاء متقدمين على كافة الدول التي لم تحذو حذونا.
الكرونا غير معروفة الأصل والمصدر والمسار، وهي فاقدة التوجه، وهو ما يجعلنا نعتقد أنها ابتلاء إلهي، ولا يرفع الابتلاء إلا العودة لطريق الله، حتى لو خرجنا من نطاق النظام العالمي، وخسرنا علاقات كثيرة مع دول لادينية. يقول تعالى: قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا.(الإسراء ٥٦)
فماذا يكسب الإنسان لوخسر نفسه؟ وماذا يكسب المسلمون لو خسروا طريق ربهم؟!
الدعاء مخ العبادة ولكنه لا يصعد إلى السماء إلا بجناحين أحدهما الإيمان والآخر العمل! يقول تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه!(فاطر٤٠).