بقلم – ناهد الغزالي
أحداث القصة واقعية، التقيت بالبطلة في أحد المستشفيات الجامعية، قسم الأمراض العقلية وسردت عليّ قصتها…
تقديم:
ذهبت إلى المستشفى لزيارة صديقتي في قسم الولادات،
لقد منّ عليها الله ببنت بعد ثلاث سنوات من الانتظار، قدمت لها باقة توليب، واعتنيت بها قليلا، حتى أتت تلك الممرضة القاسية، طردتني حرصا على راحة المريض حسب قولها، لكني لم أشاهد سوى الاهمال والتلوث الذي يخنق المرضى والزائرين.
نزلت مسرعة، وقد هالني ما رأيت…! يا إلهي…! امرأة حافية تبكي وتضرب رأسها…
تقدمت نحوها، غسلت وجهها بالماء المتبقي في القارورة، رويدا رويدا هدأت وسردت عليّ قصتها.
…..
“أخبري كل من تعرفين بقصتي لعله يعتبر…”
أجهشتْ بالبكاء، لحق بها شاب، تسمر في مكانه، الحزن باد على وجهه، ظل ساكتا وبين الفينة والأخرى يمسح دموعه…
انتابتني الحيرة، أشفقت عليهما وتملكني الفضول، مالذي حدث يا ترى…؟
عاد ابني أمير ككل يوم إلى البيت متأخرا، كنت أنتظره، فكيف يغمض لي جفن وفلذة كبدي خارج المنزل. رائحة كريهة تنبعث من فمه…أحسست بالغثيان، وغضبت منه، لقد تأكدت أن كلام جاراتي لم يكن هذيانا أو كذبا، ابني يتعاطى المخدرات.
لم يتقبل مني أية كلمة، ودفعني بقوة، صحت صيحة فزع ف، ف، فضربني…
بكت السيدة مجددا، حاولت كبت دموعي لكنها خانتني، كيف يتجرأ على ضرب والدته، يا له من عاق..!
حاولت تهدئتها، لكنها عادت لتكرار نفس الجملة” أنا السبب، أنا السبب” وواصلت حديثها والدمع ينساب من عينيها.
أتى زوجي فضربه أيضا، وافتك كل ما يوجد في محفظته من نقود.
تفاقم غضبي ودعوت عليه، فخرج من المنزل مسرعا ثم شغل دراجته النارية وانطلق بسرعة.
جلست في الشرفة أراقبه حتى غاب عن النظر، أحسست بنار تحرق صدري، بضيق شديد، ورغبة في البكاء.
أردت الاتصال به، لكنني تراجعت، أنا أمه، ضربني، أهانني، أحزنني، فهو من يتصل ويراضيني…
تواصل قلقي وحزني ولم أستطع النوم، حينها اتصلت به مرارا وتكرارا لكنه لم يجبني، أيعقل أن يكون غاضبا مني؟
و أخيرا رد على المكالمة،
-أمير، ارجع يا بنيّ…
-سيدتي، يرجى الاسراع إلى الشارع الرئيسي، لقد وجدنا صاحب هذا الهاتف ملقى على الطريق إثر حادث مرور…
أحسست بغيبوبة، بفقدان الذاكرة، تعالى صراخي، حتى بححت، ما أطول الشارع…! كأن المسافة تتآمر ضدي مع ضميري الذي ما انفك يذكرني بغضبي وسخطي ودعائي على ابني.
لاح لي في بركة دماء، التف حوله بعض المارة، فالوقت كان متأخرا…
ارتميت على ابني أقبل أقدامه، صدره النازف، وجهه…
كان الجميع يبعدني عنه خوفا من حدوث نزيف،
اتصلوا بسيارة الاسعاف… وبعد انتظار دام ساعة ونصف قدمت السيارة، وأخذوه، لحقناه بسيارة ابني الأكبر، ماهي إلا سويعات حتى خرج الطبيب مطأطئ الرأس…
لم يسعني المكان، ولم يسعفني صوتي بالصراخ…فقط دعائي عليه يجلدني، مضرما النار في كبدي…
يتهمونني بالجنون، أتوا بي غصبا ليعالجونني هنا حيث لفظت الذكريات الأخيرة لأمير أنفاسها.
…..
أحسست بنار تلك السيدة، حاولت هباء إقناعها أن كل ما حدث هو قضاء وقدر لكنها مصرة على إدانة نفسها، عندما دعت عليه، مواصلة مشيها في الأروقة وهي تصيح “أنا السبب
أنا السبب”.