مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

من كراهية هتلر لليهود إلى جرائم إسرائيل في غزة: قراءة في التاريخ والمفارقة الإنسانية

بقلم -دكتور خالد فواز :

تبدأ القصة منذ طفولة أدولف هتلر، الذي نشأ في أسرة بسيطة يعاني فيها من قسوة والده، بينما كان يحب والدته حبًا شديدًا. وقد تأثّر بوفاتها تأثرًا بالغًا، خاصة بعدما توفيت على يد طبيب يهودي بسبب خطأ طبي، فترسخ في داخله كره دفين لليهود منذ صغره.

 

قبل أن يصبح هتلر زعيمًا نازيًا، كان فنانًا يرسم اللوحات ويبيعها ليؤمن قوت يومه. وكان اليهود في تلك الفترة يسيطرون على الاقتصاد الألماني، فكانوا يشترون لوحاته بأثمان زهيدة ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة، مما زاد من شعوره بالظلم والحنق تجاههم. ومع هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وفرض الحلفاء عليها تعويضات قاسية، ازداد الوضع الاقتصادي سوءًا، واعتقد هتلر أن اليهود مسؤولون عن هذا الانهيار وعن نشر الفساد الأخلاقي والانحلال داخل المجتمع الألماني.

 

مع صعوده السياسي عام 1932، استطاع هتلر بخطاباته القوية وقدرته على الإقناع أن يجذب الألمان الذين كانوا يبحثون عن مخلّص يعيد لألمانيا مجدها. وبعد وصوله إلى الحكم عام 1935، بدأ سياسة الفصل العنصري ضد اليهود، فحرمهم من حقوقهم، ومنع الزواج بين الألمان واليهود، ودعا إلى تهجيرهم خارج البلاد.

 

لكن بعد حادثة اغتيال أحد المسؤولين الألمان على يد شاب يهودي، اندلعت أعمال عنف واسعة عُرفت بـ ليلة الزجاج المكسور، حيث تم تدمير المتاجر اليهودية وتكسير نوافذها في كل أنحاء ألمانيا. وبعد ذلك، ومع احتلال بولندا، نقل هتلر اليهود إلى معسكرات معزولة وفرض عليهم حصصًا غذائية قليلة جدًا، حتى لجأ بعضهم إلى حفر أنفاق للتهريب والبقاء على قيد الحياة، في مشهد يشبه إلى حد كبير ما يحدث اليوم في غزة.

 

قد يهمك ايضاً:

كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة

مرحبًا بالشعب المصري والمنتخب المصري في المغرب

وفي عام 1942، بدأت عمليات نقل اليهود إلى معسكرات الإبادة، التي بلغت نحو 47 معسكرًا، منها 6 مخصصة للإبادة الجماعية. وكانت عملية القتل تبدأ بالغاز أو ثاني أكسيد الكربون، ثم تُحرق الجثث بعد الوفاة، وليس وهم أحياء كما يُشاع. وتشير بعض الدراسات إلى أن عدد الضحايا لم يصل إلى ستة ملايين كما تذكر الدعاية الإسرائيلية، بل كان أقل بكثير، وفقًا لما ذكره بعض المؤرخين الفرنسيين مثل “يوري” و”جارد غاردين”.

 

ويرى بعض الباحثين أن الاتحاد السوفيتي كان من بين من ضخّموا هذه الرواية لاستعطاف العالم وكسب النفوذ السياسي بعد الحرب. ومع ذلك، فقد أصبحت قوانين أوروبا اليوم تجرّم إنكار الهولوكوست وتعاقب من يشكك فيها، حتى لو كان باحثًا طاعنًا في السن.

 

أما إسرائيل، فهي – كما يرى كثيرون – تمارس اليوم ما كانت تشتكي منه بالأمس، إذ تقوم بتهجير سكان غزة، وتفرض حصارًا خانقًا عليهم، مخالفِةً بذلك القوانين الدولية، خاصة اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تحظر على دولة الاحتلال تهجير السكان من أرضهم، واتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع الإبادة والتهجير الجماعي.

 

وقد أكدت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة عام 2020 أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، كما صدر القرار الأممي رقم 242 لعام 1967 الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، لكنها لم تلتزم به. كذلك نصّت قرارات الأمم المتحدة أرقام 68 و69 و71 على الحفاظ على القدس ومنع تغيير طبيعتها، إلا أن إسرائيل ضمّتها عام 1980 وجعلتها عاصمة لها رغم كونها تحت السيادة الدولية.

 

وبالرغم من كل هذا، كانت مصر دائمًا في مقدمة الدول الرافضة لهذه الممارسات، إذ لعبت دورًا رئيسيًا في وقف إطلاق النار في غزة، حمايةً لحدودها وأمنها القومي، ودفاعًا عن الشعب الفلسطيني. وأثبتت القيادة المصرية حكمتها السياسية وقدرتها على فرض شروطها، ليس بالقوة العسكرية فحسب، بل بالحنكة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.

 

وبهذا، يمكن القول إن ما فعله هتلر في الماضي من اضطهاد وتمييز، يتكرر اليوم بصورة أخرى على يد إسرائيل، التي تستغل دعم القوى الغربية لتكرار مآسي التاريخ التي كانت تدّعي أنها ضحيتها.