مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

من سلسلة بيوت على نور (٢)

خلافات النبي ﷺ مع زوجاته

 

١بقلم د إبتسام عمر عبد الرازق

خلافات النبي ﷺ مع زوجاته… رحمةٌ في بيت النبوة ودروسٌ لحياتنا, حين نُخطئ في فهم القدوة… نضيع البوصلة

كثيرون يتصورون أن البيوت الناجحة لا تعرف الخلاف، وأن السعادة تعني غياب المشاكل.

لكن الحقيقة أن البيت النبوي نفسه عرف الخلافات، بل إن القرآن خلّد بعضها، ليكون لنا منها هدى ونورًا,فهلّا تأملنا هذه المواقف؟ لا لنقتدي بالشكل… بل لنغترف من الحكمة.

حياة النبي ﷺ الزوجية كانت أنموذجًا للرحمة، العدل، والإنصاف.

لكنها أيضًا كانت حياة بشرية، فيها مشاعر الغَيرة، وتباين الطبائع، وتداخلات الحياة اليومية.

كان النبي ﷺ زوجًا يعايش زوجاته، يبتسم، يحاور، يصبر، ويُحسن المعاملة حتى في لحظة الخلاف.

ورغم عظم مكانته، لم يكن يُحب أن يكون مستبدًا، بل كان يُشاور، ويستوعب، ويسامح.

وهناك نماذج من خلافات النبي ﷺ مع زوجاته: غيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حين كسرت الصحفة التي جاءت بها إحدى زوجات النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ مبتسمًا: “غارت أُمُّكم.” بصدرٍ رحب، وابتسامة هادئة… لا لوم ولا غضب.

احتجاج بعض الزوجات على النفقة، كما ورد في قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها…” [الأحزاب: 28] وهنا أنزل الله آيات التخيير، ووقف النبي ﷺ بشفافية قائلاً لعائشة: “إني أُريد أن أذكركِ أمرًا، فلا عليكِ أن لا تعجلي حتى تستشيري والديك.” رُقيٌّ في الطرح، وإنصاف في المعاملة

وفى سورة التحريم… حين بلغ الخلاف حدّ التنبيه الإلهي:

“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ…” [التحريم (1): ما الذي حدث؟

تقول كتب التفسير إن النبي ﷺ حَرَّم على نفسه مشروبًا أو علاقة مع إحدى زوجاته مراعاةً لغيرة أخريات.

فجاء العتاب الإلهي للنبي ﷺ لأنه ضحّى بما أباحه الله له من أجل إرضاء أزواجه. ثم تُظهر السورة حوارًا داخليًا في بيت النبوة: “وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا…” والله يكشف ذلك ليكون درسًا للأمة كلها. ثم يحذّر: “إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا…”

أي أن التوبة ليست فقط من المعاصي، بل من الغيرة الزائدة، والضغط على الشريك، وكتمان الأسرار.

أسلوب النبي ﷺ في إدارة الخلاف:

1. الصبر والاحتواء دون إذلال

قد يهمك ايضاً:

عبدالناصر محمد يكتب قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي…

فى غزة ..القتل بالتجويع جريمة ضد الانسانية

لم يكن يوبخ أو يُعنّف، بل يُربي بالموقف والكلمة الطيبة.

2. الحزم الحكيم عند اللزوم

في حادثة التخيير، أوضح الحدود دون ظلم، بل أعطى حق التفكير.

3. العدل بين الزوجات مهما بلغ الخلاف

كان يقول:

“اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك.”

4. استخدام الحكمة في النهي والإرشاد

يعالج الغَيرة، ولا يسخر منها. يوضح الخطأ، ويُمهّد للإصلاح.

دروس مستفادة لحياتنا الزوجية:

1. الخلاف لا يعني فشل العلاقة

إنما طريقة إدارة الخلاف هي ما تصنع الفرق.

2. لا تخف من قول “أخطأت” أو “سامحيني”

الرجولة ليست في القسوة، بل في الشفافية والتواضع.

3. الغيرة والشعور بالإهمال ليست عيوبًا نسوية، بل مشاعر تحتاج لاحتواء.

4. لا تُفرط في رضا شريكك على حساب رضا الله

كما عاتب الله نبيه ﷺ.

5. بيوتنا تحتاج إلى نفسٍ طويل، ومواقف حكيمة، لا إلى عناد متبادل.

في الختام: بيت النبي ﷺ عرف الخلاف… لكنّه لم يعرف القسوة، ولا التجريح، ولا الهجر الطويل، ولا الانتقام, فهلّا تعلمنا كيف نكون رحماء في بيوتنا؟ هلّا وعينا أن الحب لا يُقاس بقلة الخلافات… بل بحُسن إدارتها؟”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة…” [الأحزاب: (21)

التعليقات مغلقة.