من دفاتر الأشراف.. مقال للسيد الشريف سلطان الخطيب
من دفاتر الأشراف
بقلم السيد الشريف/ سلطان الخطيب
تحدث الكثيرون وخاضوا فى أنساب الأشراف وتقولوا فيها بعض الأقاويل، وأذكر هنا مواقف لأشخاص التقيتهم فى أماكن شتى وأزمنة مختلفة ينتمون لأنماط وثقافات مختلفة.. أحد هؤلاء كان بمثابة أستاذ لنا فى الصحافة والفكر فهو كاتب صحفى كبير ومفكر، صدرت له أبحاث ومؤلفات معتبرة، قال لى وهو يحاورنى: لا يوجد كيان لما تسمونه الأشراف وأشار إلى أن حكاية الأشراف أكذوبة صنعتها الظروف والأحداث السياسية التى مرت بالعالم العربي بحسب تعبيره.
وفي ردي عليه وعلى من يدعي مثل ادعاءاته أقول:
ـ النسب الشريف متصل وممتد إلى يوم القيامة، وإلى ظهور محمد بن عبد الله المهدى المنتظر، والذى بحسب كثير من أهل العلم يتصل نسبه إلى مولانا الإمام الحسن بن على رضي الله عنهما.
ـ الظروف السياسية لم تأت بالأشراف إلى المشهد، بل هذه الظروف السياسية التاريخية أثمرت مظالم ودماء دفع ضريبتها آل البيت النبوي، والتاريخ يُثبت مقتل الإمام الحسين وخيرة أبنائه وعشيرته من آل البيت فى كربلاء.
ـ منذ تلك الحقبة تعرّض الأشراف للكثير من الفِرى والمظالم واستمر ذلك طوال العهدين الأموي والعباسي.
ـ دبرت مؤامرات وفتن ألقت بظلالها على أمراء الحجاز السادة الحسنية فى مكة والسادة الحسينية في المدينة.
ـ جاءت الدولة الفاطمية بمساوئها وإيجابياتها لكن تم تحميل الأشراف مساوئها للأسف الشديد ويوم أساء العبيديون الفاطميون الحكم وجاروا جاء الحكم عامًا على كل الأشراف وهذا مخالف للتفكير المنطقي السليم.
ـ أمجاد آل البيت وتضحياتهم على مر التاريخ الإسلامى لا يمكن إغفالها وكذلك نبلهم وكريم خصالهم وما قدموه وبذلوه فى مجالات العلم والجهاد ومكارم الأخلاق، ومن يشأ فليقرأ سير آل البيت رضي الله عنهم بدءا من حيدرة أسد الله الغالب، ومولانا الإمام الحسن ومولانا الإمام الحسين، مرورا بالأئمة محمد بن عبد الله الحسن المعروف بالنفس الزكية، وعبد الله المحض، وعلى زين العابدين، وجعفر الصادق موسوعة العلم والجهاد، والإمام محمد بن على السنوسى الإدريسي الحسني وجهاده فى مقاومة الاستعمار الغربي والعالمي، وسيدى عبد القادر الجيلاني، والسادة الادارسة فى المغرب العربي، ولا ننسى السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بمصر ونضاله ضد الثورة الفرنسية وإنكاره على استبداد محمد على والي مصر، وتعرضه للنفي مرات، والزعيم أحمد عرابي قائد الثورة ضد الخديوي والانجليز والعملاء والمتآمرين، والإمام أبو الحسن الشاذلي، وغيرهم ممن شرفت بهم بلاد العرب والمسلمين فى كل مكان.
ـ كانت البداية منذ وطئت أقدام قصي بن كلاب أرض مكة فاستكمل المهام التى أرساها أجداده من قبل وعلى وجه الخصوص جد قريشا ومجمع قبائلها النضر بن كنانة، وفى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسبه : “نحن بنو النضر بن كنانة”، وقال يعتز بفضل الله عليه باصطفائه للنبوة وبنسبته لجده عبد المطلب بن هاشم : “أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب”، وقال: ” تعلموا من أنسابكم ماتصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة فى الأهل مثراة فى المال، منسأة فى الأثر” .
ـ أوصى أمير المؤمنين أبو الحسنين علي بن أبى طالب رضى الله عنه بصلة الأرحام وأكد أنها تطيل العمر وتبارك في الصحة.
ـ قديما قالت العرب: إذا أردت أن تعرف مناقب الرجل فانظر فى وصله ﻹخوانه وذوي أرحامه.
ـ اهتم العرب بحفظ وتدوين أنسابهم منذ القدم، ليحافظوا على شخصيتهم ومكانتهم بين الناس وازداد أمر العناية بالأنساب أهمية بعد ظهور الإسلام واختلاط العرب بالقوميات الأخرى كالفرس والترك وغيرهم من القبائل والأعراق التى تصاهروا معها أو البلاد التى دخلتها الفتوحات الإسلامية فى القرون الثلاثة الأولى لظهور الإسلام.
ـ احتلت قريش الصدارة فى الاهتمام بالأنساب وعلومها، فكان أبو بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم وغيرهم من كبار الصحابة روادا في ذلك المجال.
ـ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فى أنساب الأنصار وفاضل بينهم وبدأ ببنى النجار ثم بنى عبد الأشهل ثم بنى الحارث بن الخزرج ثم بنى ساعدة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم أردف فى النهاية قائلا: “وفى كل دور الأنصار خير “.
ـ من النسب والصهر جاء النوع الإنساني وتنوعت الإنسانية فى مواهبها وملكاتها، وصارت لكل أمة ميزة تنفرد وتتميز بها، فاليونان تميزوا بعلوم الحكمة والمنطق، والهنود بالتنجيم والحساب، والفرس بالآداب، والصينيون بالصناعة، وامتاز العرب بعلوم اللغة والبلاغة وعلوم الانساب !
ـ كان لآل البيت النبوي النصيب الأكبر والصدارة فى حفظ وتدوين أنسابهم بما لهم من الشرف الخاص لنسبهم لسيد العرب والعجم وسيد البشر رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي القائل:” إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ومن ولد إسماعيل كنانة ومن كنانة قريشا ومن قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم فأنا خيار من خيار “.
ـ يقول ابن حزم فى جمهرة أنساب العرب : وإن كان الله سبحانه وتعالى قد حكم بأن الأكرم هو الاتقى ولو أنه ابن زنجية، وأن العاصى الكافر محطوط الدرجة ولو أنه ابن نبيين، فقد جعل تعارف الناس بأنسابهم غرضا له تعالى فى خلقه إيانا شعوبا وقبائل.
ـ من الفرض فى علم النسب أن يعرف المرء أن الخلافة لا تجوز إلا فى ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأن يعرف الإنسان أباه وأمه وكل من يلقاه بنسب فى رحم محرمة، ليتجنب ما يحرم عليه من النكاح فيهم، ومن جهل هذا فقد أضاع فرضا واجبا عليه عليه ولازما له من دينه.
ـ من الفرض فى علم النسب أن يعلم المرء أن محمدا صلى الله عليه وسلم الذى بعثه الله تعالى إلى الجن والإنس بدين الإسلام، هو محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي ، الذى كان بمكة ورحل منها إلى المدينة، فمن شك فى محمد صلى الله عليه وسلم أهو قرشي ام يماني أم تيمي أم أعجمي ، فهو كافر غير عارف بدينه، إلا أن يعذر بشدة ظلمة الجهل.
ـ يؤكد ابن حزم الأندلسي أن النسب أساس الشرف ومناط الفخر وبه يعرف الصميم من اللصيق، فمتى عرفت أفرادا من البشر أو قبائل منهم أنه تلفهم جامعة النسب فإن كل قلب منهم يحن للآخر ونفسه تنزع للاحتكاك به والتقرب إليه والقيام بمصالحه ودفع الضيم عنه وسد إعوازه.
ـ الأرحام الطاهرة تتواصل فيما بينها على مر التاريخ ومن أجل ذلك أنشئت أول نقابة فى التاريخ العربي والإسلامي ولا أكون مبالغا إن قلت بل فى التاريخ الإنساني كله تعنى بحفظ وتسجيل الأنساب، وذلك فى منتصف القرن الثالث الهجري فى بغداد وتبعها فى وقت لاحق ال إبراهيم طباطبا الرسيون فى مصر.
ـ وكان أول ظهور لنقابة الأشراف فى مصر بشكل رسمي حين تولى السيد على الببلاوي الحسني منصب أول نقيب للأشراف فى مصر خلفا للسيد عمر مكرم ثم ابنه محمد على الببلاوي الذى توفي عام 1953 .
ـ توقفت النقابة لأسباب وظروف سياسية فى الحقبة الناصرية، لأن عبد الناصر أغضبته كلمة شريف مثلما أغضبت وتغضب كثير من المنافقين فى كل عصر ومصر، وظلت أدراج نقابة الأشراف مثقلة بجرودها ووثائقها وأختامها فى العهد الناصري وحتى العهد الساداتى إلى أن صدر القرار الجمهوري عام 1991 بتعيين السيد محمود كامل يس الرفاعي نقيبا للسادة الأشراف فكانت إنجازا وكتبت صفحة مضيئة فى سجل الرئيس مبارك حينها ثم توفي السيد أحمد كامل يس وخلفه شقيقه السيد محمود كامل يس الرفاعى بتقلد المنصب إلى أن توفي فى عام 2008 ، فصدر القرار الجمهوري بتعيين الشريف السيد محمود الشريف نقيبا للسادة الأشراف.
حفظ الله نقابة الأشراف بكل مصر ووفقهم لكل ما يحبه ويرضاه.