من تجليات البلاء!
من تجليات البلاء!
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
للبلاء تجليات كثيرة منها أن العبد المبتلى يكتشف من خلاله قوة إرادته، ورضاه عن مولاه سبحانه وتعالى، ويعرف حقيقة إيمانه، وقوة يقينه.
والإنسان قبل أن يقع به البلاء قد يبدو من خلال أقواله وأفعاله، وربما أحواله, أنه عبد ذو عزيمة وجلد،
فإذا وقع به البلاء أظهر من الجزع، وربما الهلع ما لم يكن واضحًا فيه، ولأن الله تعالى عليم بعباده، خبير بما يصلحهم ويفسدهم، فإنه تعالى يبتليهم بما يتناسب مع قدراتهم، فإن كان العبد قوي الإيمان شدد عليه في البلاء، وإن كان ضعيف الإيمان خفف عليه البلاء حتى لا يكفر، ولهذا أشد الناس بلاءً هم الأنبياء، ثم يكون التدرج في الإبتلاء قوة وضعفًا بحسب إيمان العبد بحكمة ما يجريه عليه مولاه سبحانه من بلاء، فيبحث في البلاء عن العطاء قبل أن يبحث في العطاء عن البلاء، وأن يتمثل العبد الواثق من حكمة مولاه قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة/216.
العبد هنا لا ينشغل بظاهر البلاء، بل عليه أن يغوص في أعماق البلاء، ومآلاته، فإنه لا شك وبتوفيق من الله تعالى سوف يجد في هذا البلاء الخير الكثير.
يقول تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} (الشورى/27).
إذًا، فالعبد فطر على حب الخير، وهو يتمنى أن يبسط له ربه في رزقه، وينسأ له في عمره، ولو اطلع على الغيب، وعلى مآلات ما يطلب ويتمنى لما شغل نفسه بكل هذا، ولرضي بما أعطاه الله تعالى من رزق، والآية الجليلة تقول في بيان واضح أن الإنسان لا يعلم الغيب وقد يكون في الخير الذي يطلبه شر لا يقدر على تحمله، وقد يكون في الشر خير لا يعلمه فيسخط إذا وقع به بلاء، الآية تقول: إن المال الذي تطلبه قد يجلب معه الطغيان والإستبداد، وأن تتحول أحوالك من التواضع إلى الكبر، ومن حب الخير للناس إلى تمني الشر لهم، فيتحول المال والثراء في يدك إلى معول هدم لا بناء، ووسيلة إفساد لا إصلاح، ولأن الله تعالى يعلم من أحوالك ومن نياتك ما لا تعلمه أنت عن نفسك، فإنه سبحانه لا يستجيب لدعائك، ولا يحقق رجاءك، فارض بما قسم الله تعالى لك من رزق تكن أغنى الناس وأصلحهم في دنياك وآخرتك.
إذًا، ففي عدم الإستجابة للعبد فيما يطلب ويتمنى حماية له دون أن يعلم.
أيضًا هناك من الناس من يسعى للحصول على المنصب والجاه ولو علم مآلهما لما سعى ولما حرص عليهما، فقد يكون الإنسان محبًا للناس، حريصًا على صحبتهم، باذلا من وقته وجهده، وربما ماله ما يعينهم ويحقق رجاءهم فيه، فإذا جاءه المنصب، وصار من أصحاب الجاه والسلطان تنكر لإخوانه، وزهد في صحبتهم، واستبدل بهم آخرين، وقد يسعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، ولهذا فعلى الإنسان ألا يفرح بالنعمة حتى يوفق إلى توجيهها في الخير، وفيما يعود عليه منها هو ومن حوله، فإذا وفق إلى ذلك فليحمد الله تعالى على توفيقه وإحسانه، ويسأله سبحانه أن يرزقه خيرها وخير ما فيها وأن يكفيه شرها وشر ما فيها.
وليعلم الإنسان أن الله تعالى يصطفي من عباده من يشاء إلى ما يشاء ليكشف ما كان مستورًا من أخلاقهم، ويمحص نياتهم لأنه سبحانه وتعالى لا يحاسب الناس بعلمه بل بما يصدر عنهم من أقوال وأفعال، فهو سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، ولن يجازى الإنسان إلا بما فعل، وصدق الله العظيم: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى(39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41) وأن إلى ربك المنتهى (42)} النجم.
هذه هي بعض تجليات البلاء، ووجه من وجوهه الكثيرة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، حتى العبد قد لا يعلمها حتى تتجلى في أحواله حين يتحقق ما طلب.