مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

” مملكة الهالوك” رواية تلقي الضوء على المهمشين في العشوائيات.. خالد بدوي يقسو على أبطاله ولكن!

كتب- د صبري زمزم: 

عن دار البشير للنشر صدرت الطبعة الجديدة من رواية مملكة الهالوك الحائزة على جائزة إحسان عبد القدوس.

إنها رواية غاصت في أعماق المجتمع المصري لتنبش فيه عن أنواع من البشر لم تصورهم كاميرا الزمان ولم تلتفت إليهم حكاوي الحواديت فهي أرض بكر اقتحمها الأديب خالد بدوي كمستكشف ليلقي الضوء على منطقة عزيز عزت بإمبابة، ذلك الحي الشعبي بالجيزة وبالتحديد في بدروم عمارة يسكن فيها نوعيات غريبة من البشر الذين ألجأهم الفقر والعوز إلى الرضا بهذه السكنى المفتقرة إلى كل ما هو أساسي حتى دورة المياه لا يملكونها بما يحفظ عليهم آدميتهم وخصوصيتهم، بل هي حمام واحد مشترك لكل سكان الغرف المتراصة في صفين متقابلين يفصل بينهما ممر ضيق، تطفح فيه المجاري ويقضي فيه الأطفال الصغار حاجتهم دون انتظار دورهم في الحمام المشترك، وداخل كل حجرة تعيش أسرة بكاملها الأب والأم والأولاد.. ثم يغوص خالد بدوي في كل حجرة وكل أسرة ليرينا مآسي هؤلاء البشر فهناك سمير الشاب المقعد المتوقف النمو الذي يعيش وحده بلا معين ولا مساعد من أهله؛ وهناك سامية الممرضة التي تزوجت والدتها وتركتها وحيدة في غرفتها بالبدروم. 

وهناك عمال الروبابيكيا الذين يفدون من أقاصي الصعيد، وهناك بطل القصة حارس ذلك الصبي المجتهد المتفوق في دراسته الثانوية وشغفه بالعلم وحبه للأدب وحلمه بأن يتم تعليمه ويتزوج من حبيبته التى تقطن أحد الأدوار العليا بالعمارة، ولكن موت أبيه ملمع الأحذية يقطع كل هذه الأحلام، بل يحطمها فيضطر لترك الدراسة ويرتدي جلباب أبيه الواسع عليه، ويحمل صندوق تلميع الأحذية ليعول أمه وينفق على أخيه الأكبر المتعطل حتى يجد عملا وتضيع منه حبيبته التي تتزوج من ثري من طبقتها ويظل في آلامه وعمله حتى يفقد البصر رويدا رويدا، ويضطر لأخذ المساعدات التي كان يأباها رغم فقره وحاجته ولم يجد سبيلا لاستكمال حياته سوى أن يتزوج من سامية لتكون عينه التي يبصر بها، رغم عدم ارتباطه بأي عاطفة حب معها وهي كذلك ولكن الحاجة والاضطرار ألجأتهما إلى بعضهما. 

وعرض خالد بدوي كل هذه الأحداث بأسلوب ناعم مكثف بلغة رشيقة ولكنها عميقة مؤثرة، كأنه يكتب بنصل سكين على لحم حي. بأسلوب يستحوذ على القارئ فلا يترك الرواية حتى ينتهي منها. 

قد يهمك ايضاً:

عماد التطواني يطرح أول عمل شعبي بعنوان “جرح…

أبوظبي تُضيء العالم بالمعرفة افتتاح الدورة الـ34 لمعرض…

فالكاتب عبارته محكمة وسرده جذاب رغم قتامته، فالجمل على قدر المعنى تماما بدون نقصان مخل ولا زيادة ولا ترهل ويستخدم لغة سهلة مصورة تصويرا خارجيا للمكان والزمان والأحداث وتصويرا داخليا لكل شخصية فيريك تكوينها النفسي والعقلي وطموحاتها وآلامها وصدامها مع الواقع وكأنه يكتب سيناريو.

وعرض المؤلف مشكلات العشوائيات ومآسي أصحابها المؤلمة، دون أن يقدم حلا؛ لأن الحل بيد آخرين.

ولخالد بدوي روايات أخرى منها عايدة التي ترجمت إلى الإنجليزية، وبين العصارة والقصر وظل بلا جسد وتباريح ووجوه افتراضية، ولخالد بدوي أسلوبه الخاص الغارق في الواقعية، وينتظره مستقبل كبير في عالم الرواية، وقد فاز بعدة جوائز منها جائزة إحسان عبد القدوس ٢٠١٧ عن هذه الرواية، وجائزة قصور الثقافة عن رواية عايدة التي صدرت نسختها الإنجليزية مؤخرا، وفاز بجائزة تونسية عن الجزء الثاني من رواية مملكة الهالوك وعنوانها مملكة الضالين وهو بصدد نشر روايته التي تمثل الجزء الثالث من هذه الملحمة.

الأديب خالد بدوي