أحمد مصطفى:
أوضحت د. هبة عوف، أن الهجرة النبوية المباركة تُعتبر حدثًا محوريًا في حياة المسلمين، فهي لم تكن مجرد انتقالًا جغرافيًا فحسب، بل تجسدت فيها قيم الفداء والتضحية بالنفس والمال، فتُعد تضحية النبي محمد ﷺ من أبرز المواقف، إذ غادر مكة، قائلاً: “والله إنك لأحب أرض الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ” وتلتها تضحيات الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، مثل أبو سلمة الذي افترق عن عائلته صابرًا محتسبًا، ومصعب بن عمير ذلك الشاب الغني الذي ترك نعيم الدنيا وهاجر حاملاً رسالة الدعوة، فاستشهد يوم أُحد وليس له إلا الكفن لا يكفي جسد، ولم تقتصر التضحيات على الرجال، بل ظهرت أيضًا في صبر النساء مثل أم كلثوم بنت عقبة التي هاجرت وحدها تاركة أهلها.
وأضافت أستاذة التفسير بجامعة الأزهر خلال الملتقى الأسبوعي من البرامج الموجهة للمرأة والذي عقد تحت عنوان” الهجرة النبوية: دروس في التضحية والصبر والوفاء”:”لقد كانت الهجرة المباركة أيضًا مدرسة في الصبر، حيث تجلَّى ذلك في صبر النبي ﷺ وأبو بكر أثناء اختبائهما في الغار، بينما كانت قريش تبحث عنهما، حتى قال أبو بكر: “لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له النبي – صلَّ الله عليه وسلم – مُطمئنًا: ” يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما”، كما صمد الصحابة أمام الأذى في مكة، حيث عُذب بلال بن رباح وهو يُردد “أحدٌ أحد”.
كما عكست الهجرة قيم الوفاء، مثل وفاء علي بن أبي طالب للنبي ﷺ حين تركه في فراشه ليلة الهجرة ليؤدي، الأمانات التي كانت عنده لأهل قريش، وأيضًا وفاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لأهل قريش، رغم أنهم أخرجوه وظلموه، لكنه ردّ الأمانات لأصحابها، وكذلك الأنصار في المدينة الذين أظهروا حبًا كبيرًا للمهاجرين، مؤكدين على قيمة الإيثار، كما ورد في قوله تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”.
من جانبها ذكرت د. فاطمة حسب، أن الهجرة النبوية تعتبر نقطة تحول تاريخية في نشر الدعوة الإسلامية، حيث أظهرت الدور الحيوي الذي قامت به المرأة العربية المسلمة، التي تحملت الكثير من الشدائد في سبيل الله، وجاءت لتؤكد مكانتها السامية في الإسلام من خلال ضرب أروع الأمثلة في تحمل المسؤوليات تجاه دينها وأهلها، ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث كانت شجاعة ومشجعة، وعونًا للنبي ﷺ وأمينة على سر الهجرة، فقامت بدور فعال في إيصال المؤن إلى النبي ﷺ وصحبه، مما يؤكد أنها كانت جندًا من جنود الله في هذه الهجرة المباركة.
وتناولت أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر أبرز أدوار المرأة في الهجرة النبوية من خلال حفظ الأسرار، فلقد كانت عائشة وأسماء رضي الله عنهما من أوائل من علموا بموعد الهجرة، وحافظتا على سرها رغم التهديدات من قريش، وتجهيز المهاجرين، فقامت أسماء بنت أبي بكر بتجهيز الزاد والماء للنبي ﷺ وأبيها في غار ثور، ولقبت بذات النطاقين بعد أن قطعت نطاقها لربط الطعام، والمساندة والمواساة، لما استضافت أم معبد عاتكة بنت خالد، النبي ﷺ في خيمتها، وقدمت له ولأصحابه الرعاية والضيافة، والصبر والتحمل، حينما هاجرت أم أيمن مع النبي ﷺ وصحبه، وقطعت مسافات طويلة في ظروف قاسية، صابرة على المشقة والعطش، وكان الدور الفدائي من أبرز أدوار المرأة في الهجرة، حينما حملت أسماء بنت أبي بكر، الزاد للنبي ﷺ وأبيها في الغار، بالرغم من المخاطر المحيطة بها وهي حامل في شهورها الأخيرة، فلقد كانت المرأة المسلمة جزءًا لا يتجزأ من قصة الهجرة النبوية، حيث أظهرت شجاعة وإخلاصًا وتضحية وصبرًا، لتمثل بذلك أنموذجًا يُحتذى به في التزام المرأة المسلمة بقضايا أمتها ونصرة دينها.