أحمد مصطفى:
عقد الجامع الأزهر، اليوم الأربعاء، الحلقة الخامسة عشرة من ملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان “المنهج النبوي في تأسيس الأمة الإسلامية داخليًا وخارجيًا”، وذلك برعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر. استضاف الملتقى اليوم كلا من فضيلة أ.د السيد بلاط، أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا، وفضيلة أ.د حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، فيما أدار اللقاء الدكتور رضا عبد السلام، الرئيس السابق لإذاعة القرآن الكريم.
تحدث أ.د السيد بلاط عن أحد الأسس المهمة في بناء الدولة الإسلامية، وهو تكوين الجيش، مشيرًا إلى أن كل دولة تحتاج إلى جيش يحميها ويردع المعتدين، وقد بدأ النبي ﷺ في تكوين الجيش بعد أن أذن الله له بالقتال. ولم يكن تشريع القتال في الإسلام بغرض الإكراه على الدخول في الدين، ولا للسلب والنهب، كما يروج بعض المستشرقين؛ بل كان لأسباب واضحة ومشروعة، منها الدفاع عن العقيدة والنفس، استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، حيث تعرض المسلمون في مكة للاضطهاد والتعذيب والحصار. كما شُرع القتال للرد على الاعتداء، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، مما يؤكد أن المسلمين لم يكونوا أمة عدوانية، بل كانوا يردون العدوان فقط.
وأضاف فضيلته أن من أهداف تشريع القتال أيضًا إنقاذ المستضعفين، كما أشار القرآن الكريم في قوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾، حيث يجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين وعدم تركهم فريسة للعدو. وكذلك كان القتال لإزالة العقبات أمام انتشار الدعوة، فالرسالة الإسلامية عالمية، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾، وقد واجه المسلمون سدودًا وحواجز تمنعهم من تبليغ رسالة الإسلام، فكان لا بد من إزالتها.
وأكد أ.د السيد بلاط أن من بين أهداف القتال في الإسلام مواجهة من يقاتلون المسلمين كافة، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾، فحينما اجتمع الأعداء من كل حدب وصوب للقضاء على المسلمين، كان واجبًا عليهم الاتحاد للدفاع عن أنفسهم. وأوضح أن هذه الأسباب تنفي تمامًا أي مزاعم بأن الإسلام انتشر بالسيف، أو أن المسلمين قاتلوا لإجبار أحد على اعتناق الدين بالقوة، مشيرًا إلى أن التاريخ يشهد على أن المسلمين تركوا لأهل البلاد المفتوحة حرية البقاء على أديانهم دون إكراه، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.
من جانبه، تناول أ.د حسن القصبي في كلمته أحد الأعمدة الرئيسة التي لا يمكن لمجتمع أن يقوم بدونها، وهو الجانب الاقتصادي، موضحًا أن الاقتصاد هو عصب الحياة، وهو الذي يؤدي إلى تحقيق الأمن وإشباع الحاجات الأساسية للإنسان، مما ينعكس على استقرار المجتمع. واستشهد بقول الله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ لم يضع فقط أسسًا اقتصادية لمجتمعه، بل كان قدوة عملية في تطبيقها.
وأوضح أن النبي ﷺ مارس الاقتصاد بنفسه منذ صغره، فكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة، وهو ما يعكس أهمية العمل في الإسلام. وأشار إلى أن من أهم المبادئ الاقتصادية التي رسخها النبي ﷺ في المدينة المنورة هو مبدأ التكافل الاجتماعي، حيث لم يترك فقيرًا يعاني في حين يعيش آخر في رغد من العيش، مستشهدًا بموقف المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والذي جسّد أروع صور الإيثار، كما في قصة عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، حيث عرض سعد على عبد الرحمن أن يقتسم معه ماله وبيته، فنزل في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
وأكد أ.د حسن القصبي أن الاقتصاد الإسلامي يقوم على أخلاقيات المال، موضحًا أن المال في الإسلام ليس ملكًا مطلقًا للفرد، بل هو مال الله، والإنسان مستخلف فيه، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾. وأشار إلى أن من مسؤوليات المسلم في المال ألا يقتصر فقط على إخراج الزكاة، بل عليه أن يسد حاجة الفقير إذا لم تكفه الزكاة، ما يعكس البعد الإنساني والاجتماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي. وختم حديثه بالتأكيد على أن الاقتصاد في الإسلام يقوم على مبادئ الأمانة والصدق والإتقان وإعطاء الفقير حقه، محذرًا من الاحتكار والجشع والربا، لأنها أمور تفسد المجتمعات وتؤدي إلى الفوارق الطبقية والظلم الاجتماعي.