أحمد مصطفى:
عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد، ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي تحت عنوان: “مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن خلق العنكبوت” وذلك بحضور كل من أ.د مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة الأزهر، والدكتور أحمد همام، مدير عام شؤون هيئة كبار العلماء، وأدر الملتقى الشيخ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر.
في مستهل الملتقى، أوضح فضيلة الدكتور مصطفى إبراهيم، وجود خلط شائع بين العناكب والحشرات؛ مؤكدًا أن العنكبوت تنتمي لفئة “العناكب” وليست من الحشرات، وتتميز بامتلاكها ثمانية أرجل مقابل ستة للحشرات، كما أشار إلى انتشارها العالمي الواسع في كافة المناطق باستثناء القطب الشمالي، حيث يقدر عدد أنواعها بنحو 50 ألف نوع تضم مئات الملايين من الأفراد، وهو ما دفع العلماء لتقدير كتلتها الحيوية الإجمالية على كوكب الأرض بنحو 2.5 مليار كيلوا جرام.
وبين فضيلته أن العناكب تمتلك نظامًا حسيًا فائقًا يتمثل في شعيرات دقيقة على أقدامها تستشعر أدنى الاهتزازات، مما يمنحها قدرة استثنائية على المشي فوق الماء” عبر توزيع وزنها بدقة وتوظيف التوتر السطحي، وتتفاوت هذه الكائنات في أحجامها بشكل مذهل؛ فبينما توجد أنواع مجهرية دقيقة، يبرز عنكبوت جالوت العملاق كأضخمها بطول قدم يصل إلى 30 سم ووزن يبلغ 170 جرامًا، كما يكمن الفارق الجوهري بينها وبين الحشرات في الجهاز البصري؛ فللعناكب ثماني أعين مقابل عينين مركبتين للحشرات، مما يمنح العنكبوت رؤية بانورامية في اتجاهات متعددة وقدرة فائقة على رصد الفرائس عن بعد وتحديد المسافات بدقة عالية، وهو ما يجعلها صيادًا ماهرًا في بيئتها.
من جانبه، أشار فضيلة الدكتور أحمد همام إلى اللمسة البيانية في تسمية السورة بصيغة المفرد “العنكبوت” بخلاف سورتي “النحل” و”النمل” اللتين جاءتا بصيغة الجمع؛ موضحاً أن السر في ذلك يعود إلى طبيعة “بيت العنكبوت” القائم على الوهن والتمزق، ليس فقط في خيوطه، بل في علاقاته الأسرية التي تفتقر لأواصر المحبة والود، حيث تسودها العدائية التي قد تصل إلى حد افتراس بعضها البعض، مما يجعلها تعيش في عزلة لا في جماعات متعاونة، كما نجد في قوله تعالى: “اتخذت بيتاً”، أسند الفعل إلى تاء التأنيث، ليؤكد أن أنثى العنكبوت هي المختصة ببناء البيت وإفراز خيوطه، وهو ما كشف عنه العلم الحديث وأثبته بدقة بعد قرون من نزول القرآن الكريم.
وأضاف فضيلته أن القرآن الكريم ضرب مثلاً في سورة العنكبوت، حيث شبه الذين يتخذون من دون الله أولياء وأصناماً بحال العنكبوت التي اتخذت بيتاً؛ وهو تشبيه دقيق ينقل صورة معنوية إلى حالة ملموسة، فكما أن خيوط العنكبوت تظل أوهن بناء وأعجز من أن تحمي صاحبها من حر أو عدو، فإن تلك الأوثان لا تملك نفعاً ولا تدفع ضراً، ولا تزيد المعتمد عليها إلا ضلالاً وضياعاً، وتتجلى عظمة هذا التشبيه في كونه يبرهن على أن كل اعتماد على غير الله هو استناد إلى ركن واه، وأن “بيت الشرك” مهما بدا منسوجاً بإحكام وتفاصيل دنيوية، فإنه ينهار أمام أدنى اختبار للحق، تماماً كما تنهار خيوط العنكبوت بلمسة يسيرة.
يذكر أن ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني يعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.


