مفهوم العدالة البديلة
بقلم الدكتور – عادل عامر :
أن الوسائل البديلة عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ القدم، وكانت آلياتها المتمثلة في التوفيق والمصالحة والوساطة والمفاوضات والتحكيم هي الوسائل المعتمدة لحل مختلف النزاعات، ومع ظهور الدولة بسلطاتها الثلاث، أصبح اللجوء إلى القضاء لحل النزاعات هو الأساس، باعتباره سلطة من سلطات الدولة التي تتحقق بها وظيفة إقامة العدل بين الأفراد والجماعات أن نجاح الوسائل البديلة لحل المنازعات، رغم كل ما قيل في حقها ونظرا لحداثة التعامل بها ومعها، يبقى في الغالب الأعم رهينا بمدى الاستعداد الذي يمكن أن تبديه الأطراف المتنازعة في التفاوض والتصالح، وتسوية النزاع،
وتنفيذ المقررات المتواصل إليها ومدى استيعابها لجدوى هذه العدالة اللينة، السريعة والفعالة والتي لا تتطلب شكليات مفرطة في الحصول على رضي الأطراف، وإنما المهم هو أن يكون هناك اتفاق على اللجوء لهذه الوسائل من طرف المتنازعين. استحدثت المتغيرات العالمية نظماً بديلة لتحقيق العدالة خارج النظام القضائي منها ما لا يفصل في النزاع كنظم الرقابة المستقلة ولجان التوفيق أو الوساطة أو حقوق الإنسان ومنها ما يفصل في النزاع كما هو الحال في نظام التحكيم القائم على اتفاق الخصوم.
ويتماشى استحداث هذه النظم مع النتائج المترتبة على اتساع تدخل الدولة في نشاط الأفراد تحت شعار الحفاظ على النظام العام والمصلحة العامة والتي تشكل غاية العمل الإداري ومناطه والتي تدور حولها مشروعية وعدم مشروعية تصرفات الإدارة.
وقد كان الأمر ملحاً لاتخاذ مواقف معينة لكبح جماح الإدارة وردها إلى الطريق القويم إذا ما انحرفت في ممارستها لامتيازاتها في مواجهة الأفراد. وعزز هذه الضرورة زيادة شعور الأفراد بعدم كفاية الوسائل التقليدية في الرقابة على أعمال الإدارة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من جهة وللعيوب التي تكتنف تلك الوسائل من تعقيد في إجراءاتها وبطئها وتكاليفها الباهظة من جهة أخرى.
ان هذا النظام يتمتع بالكثير من الاختصاصات التي تمكنه من الرقابة على اعمال الادارة وضمان مطابقة اعمالها وتصرفاتها للقانون وهو في ذلك يعد مساعدا للقضاء في ذلك الامر وحاميا للأفراد من خلال حفاظه على مبدأ الشرعية اللازمة لحماية حقوقهم وحرياتهم رغم ما يكشف عمله بعض الأحيان من عدم ألزام آراءه للإدارة وعدم قدرته على تغير مسلكها اذا ما اصرت على رأيها ان هذه النظم قد اثبتت نجاحاً كبيرا في جميع الدول التي استخدمتها بل ان بعضها قد جعل لكل شركة او دائرة امبودسمان خاص بها او مفوضا او محاميا حسب التسمية التي اختارها النظام القانوني .
وفي الوطن العربي نجد ان بعض الدول قد اتبعت في نظمها وسائل مشابهه لها من حيث الاختصاصات والوظيفة تتلاءم واقعها، فنجد ناظر المظالم في السعودية والرقيب العام في السودان والادعاء العام الاشتراكي في مصر. وامام ذلك يجدر القول باننا لسنا مجبرين على اقتباس الحرفي لهذه النظم بقدر ما يمكننا ان نعيد صياغتها مستفيدين من التجارب الدول التي سبقتنا في الاخذ بها ووضعها في السياق الذي يتلاءم مع واقعنا السياسي والاجتماعي والقانوني، وبالتالي نتمكن من تحقيق مكسب كبير من خلال توفير الحماية والامان للأفراد على حرياتهم في مواجهة امتيازات السلطة العامة مما يعزز ثقة الافراد بالسلطة ويحسن علاقتهم بها في الوقت الذي أصبحت الأجهزة التقليدية من رقابة قضائية وادارية عاجزة عن توفير تلك الحماية.
يستلزم الوصول إلى العدالة القدرة على التماس سبل الانتصاف من المظالم والنفاذ إلى هذه السبل، عن طريق مؤسسات العدالة، الرسمية وغير الرسمية، وفقاً لمعايير حقوق الإنسان. ولا غنى عن العدالة لحماية وتعزيز جميع حقوق الإنسان الأخرى. وقد التزمت الأمم المتحدة باتخاذ جميع الخطوات التي تكفل وصول الجميع إلى العدالة.
ويتسم الوصول إلى العدالة بأهمية خاصة “بالنظر إلى خطورة القضايا التي تواجه الشعوب الأصلية، ومنها التمييز ضدها في نظم العدالة الجنائية، ولا سيما فيما يخص نساء وشباب الشعوب الأصلية. ويشكل ارتفاع نسبة السجناء من أفراد الشعوب الأصلية شاغلاً عالمياً”. وهو يطرح قضايا تتعلق بالعدالة الإجرائية والعدالة الموضوعية، ومنها سبل الانتصاف من انتهاكات حقوق الإنسان القائمة على العدل والقسط والإنصاف.
ولا يمكن دراسة مسألة الوصول إلى العدالة بمعزل عن المسائل الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها التمييز الهيكلي، والفقر، وانعدام فرص الوصول إلى الصحة والتعليم، وعدم الاعتراف بالحق في الثقافة وفي الأراضي والأقاليم والموارد.
اتجهت السياسات الجنائية الحديثة في معظم بلدان العالم الى الاخذ بنظام العقوبات البديلة وقد دأبت الامم المتحدة منذ بداية تأسيسها على عقد العديد من المؤتمرات حول منع الجريمة ومعالجة اسبابها واجريت العديد من الدراسات والابحاث في مختلف انحاء العالم منذ نصف قرن، وقد كان للمؤتمرات الخماسية تأثير في سياسات العدالة الجنائية وفي الإجراءات والممارسات الوطنية والمهنية في جميع أنحاء العالم. وفي وقت اتخذت فيه الكثير من المشاكل المعاصرة، بما في ذلك الجريمة، بعدا عالميا، أصبحت هذه المؤتمرات تكتسي أهمية خاصة، وهو ما جعل من التعاون الدولي يعطيها أولوية عاجلة.
ولم تأتي الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لوضع الخطوط التوجيهية الدولية للعدالة الجنائية من فراغ، فمنذ سنة 1872 أنشأت اللجنة الدولية للسجون-والتي صارت فيما بعد اللجنة الدولية للعقوبة والاصلاح -أثناء مؤتمر دولي لتقديم توصيات لإصلاح السجون. وأصبحت اللجنة الدولية للعقوبة والاصلاح تابعة لعصبة الأمم، وواصلت عقد مؤتمرات مكافحة الجريمة مرة كل خمس سنوات.
من ايجابيات العقوبة البديلة ومحاسنها عدم ابعاد المحكوم عليه عن الاسرة والمجتمع لان للسجن تأثير سلبي ابتدأ من الزوجة التي قد تلجأ إلى الخلع وقد تسوء الحالة التعليمية للأبناء والبنات فضلاً عن استغلال رفقاء السوء لأفراد الأسرة في ظل غياب معيلها أو افتقادها للمصدر المادي الذي يساعد أفرادها على تجاوز ظروف الحياة،
كما يؤدي الى الحرمان الجنسي للمسجون فضلاً عن مشاكل الحرية بعد السجن وافتقاد القدوة الطيبة وقتل الشعور بالمسؤولية. إصلاح أضرار الجريمة أو التعويض عن الأضرار التي تخلفها الجريمة، ويتمثل هذا البديل في اقتطاع جزء من الموارد المالية للجاني لجبر الضرر الذي لحق المجني عليه من جراء الجريمة المرتكبة وتعتبر هذه العقوبة إحدى العقوبات العادلة وأكثر البدائل عدالة وإرضاء لجميع مكونات المجتمع لأنها تؤدي إلى حرمان الجاني من المكاسب التي حققها من الجريمة وفي الآن نفسه تعويض المتضرر عن الضرر الذي طاله من خلال الجريمة المرتكبة كما تعد هذه العقوبة البديلة وسيلة ناجعة لإصلاح الجاني وردعه بما يفرض عليه من التزامات وواجبات وتجنبه مساوئ السجن.
وأن الهدف من العقوبات البديلة هو إصلاح الجاني من جهة وإعادة الاعتبار للمجتمع من جهة أخرى حيث يبقى القضاء هو الحامي لحريات وحقوق الأفراد والضامن لأمن واستقرار المجتمع من خلال ردع الجناة وزجرهم بمختلف الوسائل فتكون العقوبات البديلة ناجعة متى كانت نتائجها تصب في تأطير الجناة وإعادة تأهيلهم وإدماجهم داخل المجتمع الذين هم جزء منه وكذلك حماية المجتمع من حالات العود واستفحال الجريمة داخله. قد أخذت مجموعة من التشريعات بفكرة عقوبة التعويض أو إصلاح أضرار الجريمة.
إن العقوبات البديلة لها عدد من الجوانب الإيجابية، فمن ناحية الدولة فإن التوسع في استخدامها يؤدي إلى انخفاض أعداد السجناء في السجون، الأمر الذي سيتيح للدولة القيام بإجراء عملية تأهيل حقيقي للسجناء كما ستتخلص من أعباء المصروفات التي سوف تضطر إلى إنفاقها لمواجهة أعداد السجناء الضخمة.
بالإضافة إلى أن العقوبات غير السالبة للحرية تتيح للمتهم الاستمرار بالقيام بدوره في المجتمع ما يعني أنه سوف يستمر في عمله ويستمر في دفع الضرائب وسيتسمر في الإنفاق على عائلته _إذا كان هو أو هي العائل_ الأمر الذي سيقي الدولة من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية للسجن. فاختيار العقوبات غير السالبة للحرية يعني أيضًا عدم القضاء على المستقبل الوظيفي للمتهم، وهو الأمر الذي عادة ما يدفع السجين السابق إلى ارتكاب جرائم أخرى بسبب ملازمة وصمة السجن في المجتمع. وفى نهاية الأمر السجن ليس هو الاجابة الوحيدة عن كيفية منع الجريمة وتحقيق الردع الاجتماعي.