مفتي الجمهورية :بعض الدعاة يزعمون أن قضية الأضرحة قائمة على الشرك والرسول بشرنا بعكس ذلك
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن دار الإفتاء المصرية لديها منهجية محددة للحكم في قضايا الإعدام، موضحًا أن تلك المنهجية لا علاقة لها بأي انتماءات، وإنما يحكمها الإطار الشرعي والقانوني.
جاء ذلك خلال اللقاء الأسبوعي لفضيلة المفتي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج “نظرة” المذاع على قناة صدى البلد، حيث أوضح فضيلته أن دار الإفتاء لا تلتفت إلى اسم الشخص المحالة قضيته لتأييد حكم الإعدام من عدمه، بل يتم النظر إلى قيد ووصف الجريمة وإدراجها تحت أي باب من الأبواب، حيث يتم تكييفها شرعيًّا، لافتًا إلى أن هذا هو مسلك كل المفتين منذ عهد الشيخ محمد مهدي العباسي، ومن ثم فعلماء الدار في تجرد تام من هذه المسألة ولا علاقة بالشخص أو انتمائه، وإنما يتم الوقوف عند حجم خطورة الأفكار والجرائم فحسب.
وبشأن شهادة أحد دعاة السلفية في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ”خلية داعش إمبابة”، توقف فضيلة المفتي أمام خطورة تفسيرات فكر الداعية وتأثيره على المتهمين في القضية، ومنها ما يتعلق بمسألة الكنائس والأضرحة، حيث قال فضيلة المفتي إن بعض الدعاة يزعمون أن قضية الأضرحة قائمة على الشرك بالله، ولكن المسلمين براء من هذا الأمر، والأضرحة هي أقبية على ولي من أولياء الله الصالحين تتنزل عليه الرحمات من الله سبحانه وتعالى، وقد حكمنا بمسيرة هذا الشخص من خلال تاريخه المعروف، مؤكدًا أن زيارة الأضرحة وأولياء الله الصالحين مشروعة ومحببة، ورسول الله قال: “قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها”، فما بالك عندما يكون من في القبر وليٌّ، في هذه الحالة يصبح الاستحباب أكثر من زيارة القبور على وجه العموم.
وتابع فضيلة المفتي: هم يزعمون أن هناك قضية شرك، والرسول بشرنا بعكس ذلك وقد أراد أن يمحوها من الوجود فأمننا فيما بعد بحديثه الشريف الذي قال فيه: “إني لا أخشى عليكم الشرك”، كما أن الصحابة جاءوا إلى مصر والشام، والناس من بعدهم بنوا الأضرحة مع وجود المرجعيات العلمية الكبيرة، قائلًا: لو سألت أي إنسان بسيط اليوم: “هل سيدنا الحسين هو من يتقبل دعاءك؟ فسيقول لك: لا .. الله هو المجيب”.
وحول مسألة تحريم بناء الكنائس، أكد فضيلة المفتي أن الليث بن سعد، وهو من أكابر الفقهاء ومعاصر للإمام مالك، كان له دور علمي وآخر اجتماعي، ودوره العلمي يقول لنا بوضوح أنه عند دخول عمرو بن العاص إلى مصر ومحاربته للرومان وقف إلى جواره المسيحيون المصريون واستطاعوا طرد الرومان، كما أعاد الرئيس الأعلى للمسيحيين وقتها، حيث أشار الليث بن سعد إلى أن عدد الكنائس وقتها كان أقل بكثير مما وجدت في عصر الليث بن سعد آن ذاك، ومن ثم فالكنائس معظمها بُنيت بعد دخول الإسلام.
أما بشأن ما يعرف بمصطلح “الإسلام المصري”، فقال فضيلة المفتي: إن الإنسان المصري له سمة خاصة، وكتب عنه “جمال حمدان” في كتابه “شخصية مصر”، فالمصري على دوام التاريخ لم نلحظ منه أي فروقات بين شخص وآخر رغم اختلاف المعتقد، ومن ثم فتجربة مصر فريدة ولا بد أن نعمقها ونتمسك بها أكثر.
وحول كيفية اختراق فكر ابن تيمية للمجتمع المصري، أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن ابن تيمية له اجتهادات، ولكن فكره واجتهاداته لها سياق زمني ولا تصلح لأزمنة أخرى؛ لأنه يجب ربطها بواقعها، وأي شخص يأخذ عن فكره لا بد أن يربطه بواقعه وزمانه، ويحقق المصالح من وراء هذا المنهج، والدارسون لشخصية ابن تيمية يقولون هذا الأمر، ومن ثم الأخذ عنه بسلخ الأحكام الفقهية دون النظر إلى الزمان أمر خاطئ.
ولفت فضيلة المفتي إلى أننا في القرن الـ 21 نختلف تمامًا في نظام الأمن والعلاقات الدولية وغيرها، ومن ثم لا يجب تعميم وسحب الأحكام الفقهية على أي واقع أو زمان، وأزمتنا أننا نقف عند هذه الأطروحات التي طرحت دون أن ننظر إلى الزمان والواقع، وهما أمران أساسيان لتكييف الأحكام الفقهية.
وفي نفس السياق أشار فضيلة المفتي إلى أن نواتج فكر ابن تيمية، تم استغلالها من قِبل الجماعات الإرهابية ونزعها من سياقها التاريخي، مثل فكرة دار الإسلام ودار الحرب، حيث تحدث ابن تيمية عن الطائفة الممتنعة، ولكن الجماعات الإرهابية نظروا لها واستغلوها في وجود صراع حقيقي بين البشرية لمحاربة القضاة والشرطة على اعتبار امتناعهم عن تنفيذ أحكام الله على عكس الحقيقة.
وقال مفتي الجمهورية: “لا شك أن فكر ابن تيمية قد أثر بصورة سيئة على الأحكام التي أصدرها، والتي استغلت من قبل الجماعات الإرهابية، حيث وجدت فيه ملاذا وفقهًا يمكن أن ترتكن إليه، وهو على خلاف الفكر العام الذي يتبناه كل المسلمين، كما أن بعض أفكاره أسيء فهمها من قِبل مجموعات إرهابية استغلت الدين للوصول إلى أغراضها الخبيثة وليس فكر ابن تيمية فحسب”.
التعليقات مغلقة.